وردت أحاديث كثيرة ترهب من التصوير، وتحذر من شأنه تحذيرا بليغا، فذهب بعض العلماء إلى حرمة كل الرسوم، والصور، والتماثيل استنادا إلى هذه الأحاديث، ولم يبيحوا من هذا إلا مادعت إليه الضرورة، لكن غير واحد من المحققين نظروا إلى هذه الأحاديث، وخرجوا بالنتيجة التالية:-
أن الراجح أن المحرم من الصور ما كان له جسم مستقل بنفسه كالتماثيل والأصنام، أما الرسم على اللوحات أو الورق أو الثياب فلا يدخل في دائرة الحرام ، وعليه فلا بأس بالرسم، وهذا كله ما لم يكن موضوع الرسم حراما في نفسه كالرسومات التي تمجد الفسقة والظلمة والملاحدة وكالصور العارية. أما التصوير الوتوغرافي فلا بأس به بنفس هذه الشروط، أما الصور المجسمة كالتماثيل والأصنام، واللعب التي على شكل الحيوانات ، وعلى شكل الإنسان، والتحف التي تزين بها البيوت على شكل مجسمات كاملة فهي حرام كلها سواء قدست أو لم تقدس ،ولا يباح منها إلا لعب الأطفال إذا استخدمها الأطفال. أما تزيين البيوت بالتحف المجسمة فلا يجوز.
وعليه فلا مانع بالاحتفاظ بالصور سواء أكانت داخل الألبومات، أو البراويز إذا خلا ذلك عن التقديس والتعظيم، والأفضل البعد عن التعليق على الحوائط فإن هذا لا يخلو من تعظيم. وإذا خلا عن التعظيم فلا يخلو من كراهة.
جاء في موسوعة الفتاوى المصرية:-
يقول فضيلةالشيخ أحمد هريدي:-
ورد فى التصوير أحاديث كثيرة، منها ما رواه البخارى عن أبى زرعة قال دخلت مع أبى هريرة دارا بالمدينة فرأى فى أعلاها مصورا يصور فقال سمعت رسول الله ت ﷺ - يقول ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقى فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة ) قال فى فتح البارى شرح صحيح البخارى قال ابن بطال فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل وما ليس له ظل، فلهذا أنكر ما ينقش فى الحيطان قلت هو ظاهر من عموم اللفظ.
ويحتمل أن يقصر على ماله ظل من جهة قوله كخلقى فإن خلقه الذى اخترعه ليس صورة فى حائط بل هو خلق تام.
ومنها ما رواه البخارى عن عائشة رضى الله عنها قالت ( قدم رسول الله ﷺ من سفر وقد سترت بقرام ( القرام ستر فيه رقن ونقش وقيل هو ثوب من صوف ملون ) لى على سهوة ( السهوة بيت صغير ضمن الدار ) لى فيها تماثيل.
فلما رآه رسول الله ت ﷺ - هتكه ( هتكه نزعه ) وقال أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله.
قالت فجعلناه وسادة أو وسادتين )، قال فى فتح البارى واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ الصور إذا كانت لا ظل لها ن وهى مع ذلك مما يوطأ ويداس أو يمتهن بالاستعمال كالمخاد والوسائد.
ومنها ما رواه البخارى عن زيد بن خالد عن أبى طلحة قال إن رسول الله ت ﷺ - قال ( إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة إلا رقما فى ثوب ) قال فى فتح البارى قال ابن العربى حاصل ما فى اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع.
وإن كانت رقما فأربعة أقوال الأول يجوز مطلقا على ظاهر قوله فى حديث البارى إلا رقما فى ثوب.
الثانى المنع مطلقا حتى الرقم الثالث إن كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم، وإن قطعت الرأس أو تفرقت الأجزاء جاز.
قال وهذا هو الأصح . الرابع إن كان مما يمتهن جاز، وإن كان معلقا لم يجز.
وقال صاحب الهداية ولا يكره تمثال غير ذى روح، لأنه لا يعبد.
وعلله صاحب العناية بما روى عن ابن عباس أنه نهى مصورا عن التصوير، فقال كيف أصنع وهو كسبى قال إن لم يكن بد فعليك بتمثال الأشجار.
والذى نختاره أنه لا بأس باتخاذ الصورة التى لا ظل لها، وكذلك الصورة إذا كانت رقما فى ثوب ويلحق بها الصور التى ترسم على حائط أو نحوه أو على الورق قياسا على تصوير ورسم مالا روح له كالنبات والأشجار ومناظر الطبيعة .
وبناء على ذلك يكون الرسم والتصوير الشمسى المعروف الآن للإنسان والحيوان وأجزائهما - إذا كان لأغراض علمية مفيدة تنفع المجتمع وتعود عليه بالفائدة مع خلوها من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة حكمه حكم تصوير النبات والأشجار ومناظر الطبيعة وغيرها مما لا حياة فيه - وهو الجواز شرعا.
ويقول الشيخ يوسف القرضاوي :-
ونستطيع أن نجمل أحكام الصور والمصورين في الخلاصة التالية:
-أ- أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يعبد من دون الله -كالمسيح عند النصارى– فهذه تؤدي بمصورها إلى الكفر إن كان عارفا بذلك قاصدا له.
والمجسم في هذه الصور أشد إثما ونكرا. وكل من روج هذه الصور أو عظمها بوجه من الوجوه داخل في هذا الإثم بقدر مشاركته.
-ب- ويليه في الإثم من صور ما لا يعبد، ولكنه قصد مضاهاة خلق الله. أي ادعى أنه يبدع ويخلق كما يخلق الله، فهو بهذا يكفر. وهذا أمر يتعلق بنية المصور وحده.
-ج-ودون ذلك الصور المجسمة لما لا يعبد، ولكنها مما يعظم كصور الملوك والقادة والزعماء وغيرهم ممن يزعمون تخليدهم بإقامة التماثيل لهم، ونصبها في الميادين ونحوها. ويستوي في ذلك أن يكون التمثال كاملا أو نصفيا.
-د- ودونها الصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يقدس ولا يعظم، فإنه متفق على حرمته يستثنى من ذلك ما يمتهن، كلعب الأطفال، ومثلها ما يؤكل من تماثيل الحلوى.
-هـ- وبعدها الصور غير المجسمة -اللوحات الفنية- التي يعظم أصحابها، كصور الحكام والزعماء وغيرهم، وخاصة إذا نصبت وعلقت. وتتأكد الحرمة إذا كان هؤلاء من الظلمة والفسقة والملحدين، فإن تعظيمهم هدم للإسلام.
-و- ودون ذلك أن تكون الصورة غير المجسمة لذي روح لا يعظم، ولكن تعد من مظاهر الترف والتنعم، كأن تستر بها الجدر ونحوها، فهذا من المكروهات فحسب.
-ز- أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال ونحوها من المناظر الطبيعية، فلا جناح على من صورها أو اقتناها، ما لم تشغل عن طاعة أو تؤد إلى ترف فتكره.
-ح- وأما الصور الشمسية (الفوتوغرافية) فالأصل فيها الإباحة، ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم، كتقديس صاحبها تقديسا دينيا، أو تعظيمه تعظيما دنيويا، وخاصة إذا كان المعظم من أهل الكفر والفساق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين.
-ط- وأخيرا … إن التماثيل والصور المحرمة إذا شوهت أو امتهنت، انتقلت من دائرة الحرمة إلى دائرة الحل، كصور البسط التي تدوسها الأقدام والنعال ونحوها.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
الأرجح قصر التحريم على المجسم, وأما صور اللوحات المسطحة على الورق , أو الجدران, أو الخشب ونحوها, فأقصى ما فيها الكراهة التنزيهية, كما ذكر الإمام الخطابي, إلا ما كان فيه غلو وإسراف, كالصور التي تباع بالملايين ونحوها.
ويستثنى من المجسم المحرم: لعب الأطفال, من الدمى والعرائس والقطط والكلاب والقرود ونحوها, مما يتلهى به الأطفال, لأن مثله لا يظهر فيه قصد التعظيم, والأطفال يعبثون بها.
ودليل ذلك حديث عائشة أنها كانت تلعب بالبنات ( العرائس ) وأن صواحب لها كن يجئن إليها فيلعب معها. وكان الرسول الكريم يسر لمجيئهن إليها.
ومثل ذلك: التماثيل والعرائس التي تصنع من الحلوى وتباع في بعض المناسبات, ثم لا تلبث أن تؤكل.
كما يستثنى من الحظر: التماثيل التي تشوه بقطع رأسها, أو نحو ذلك منها, كما جاء في الحديث أن جبريل قال للرسول ﷺ: « مر برأس التمثال فليقطع حتى يصير كهيئة الشجرة ».
وأما التماثيل النصفية التي تنصب في الميادين ونحوها للملوك والزعماء, فلا يخرجها من دائرة الحظر, لأنها لا تزال تعظم .
ونهج الإسلام في تخليد العظماء والأبطال يخالف نهج الغربيين, فهو يخلدهم بالذكر الحسن, والسيرة الطيبة, يتناقلها الخلف عن السلف,
ويتمثلونها , ويأتسون بها , وبهذا خلد الأنبياء والصحابة والأئمة والأبطال والربانيون, فأحبتهم القلوب, ودعت لهم الألسنة, وان لم ترسم لهم صورة, ولا نصب لهم تمثال .
وكم من تماثيل قائمة لا يعرف الناس شيئا عن أصحابها, كتمثال « لاظوغلي » في قلب القاهرة, وكم من تماثيل يمر الناس عليها فيلعنون أصحابها.