يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي عن الابتلاءات واستثمارها:- لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم. ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان أكثر مما يحصل لغيرهم ، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلـلُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها – عياذاً بالله. ولا بد للمسلم أن يستشعر بأن الله وعد في كتابه ( فإن مع العسر يسرا ).
ولابد للمسلم أن يستشعر الحكمة من البلاء لأن الله سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا. وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء- سواءً كان فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة- وهي في نصوص الكتاب والسنة.
الابتلاء امتحان:
قال تعالى: كُل نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشر وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ. [ الأنبياء: 35 ].
وقال جل ذكره: أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَـاذِبِينَ. [ العنكبوت: 2-3 ].
وليس في هذه الدنيا من لا يمتحن . وكيف لا وقد ابتلى الله الأنبياء ففي الحديث الصحيح: “أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل…” [ رواه البخاري ]. ولكن في هذا الامتحان من يصبر فيفوز ، كما أن هناك من يجزع و يعترض على الله – عياذاً بالله ـ فيخسر و يشقى
ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: ” الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه “.
الابتلاء قسمة وقدر:
وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وهيهات هيهات.
الابتلاء خير ونعمة بشرط:
وما أصدق الشاعر إذ يقول:
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت………..ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: { فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً. [النساء:1] وقوله: وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ .
لذا فاعلم يا عبد الله أنه إنَّما ابتلاك الذي أنعم عليك، وأخذ منك الذي أغدق عليك. وليس كل ما تكرهه نفسك فهو مكروه على الحقيقة، ولا كل ما تهواه نفسك فهو نافع محبوب، والله يعلم وأنت لا تعلم.
لئن كان بعض الصبر مُرًّا مذاقُه………….. فقد يُجتنى من بعده الثمرُ الحلوُ
يقول بعض السلف:
“إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة. وإن نزلت بك ولـم تصبر، فقد أُصبت بمصيبتين: فقدان المحبوب، وفقدان الثواب”.
ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدنيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبِينُ. [الحج: 11 ].
الابتلاء محطة تمحيص وتكفير:
فالأجر ثابت يا عبد الله، على كل ألمٍ نفسي أو حسي يشعر به المؤمن إذا صبر واحتسب. فقد جاء في كتب السنة “أن النبي دخل على أم السائب ، فقال لها: ما لكِ تزفزِفين ؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبي الحمى فإنها تُذهِب خطايا بني آدم كمـــا يذهب الكير خبث الحديد” [ رواه مسلم ]. وفي الحديث عن النبي أنه قال: “ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها” [ متفق عليه ]. فهنيئاً للصابرين المحتسبين.
الابتلاء رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات:
بل ترفع درجات المؤمن حينما يُبتلى بما هــو أقل من ذلك، ففي الحديث أن النبي قال: “ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة” [ رواه مسلم ].
إذاً هي درجة تلو درجة ليبلِّغه الله منزلته في الجنة، والتـي يكون تبليغه إياها بفضل الله، ثم بفضل صبره على البلاء، والله عز وجل يقول: إنمَا يُوَفى الصـابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ. [ الزمر: 10].
الابتلاء علامة حب ورأفة:
يقول ابن القيم : “إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة …” إلى آخر ما قال.
ويكفي الخير الذي في البلاء أنه يرفع درجات المؤمن الصابر يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : “إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة [ رواه الترمذي وصححه الألباني ].
فإن مع العسر يسرا:
وأخيراً نسوق هدية وبشرى من رسول الله ﷺ أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : (( إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل ، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ) .