المسلم إنما ينتصر بعقيدته و إيمانه بالله سبحانه وتعالى بعد استعداده بعدته وعتاده ، {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } فالمسلم المؤمن يعلم هذا جيدا ، ومن هنا لا يهمه مقدار ما عند الأعداء من عدة و عتاد لأنه يعلم من أين يؤتى النصر .
والمؤمن يعلم أن الله قد أعد للشهداء منازل في الجنة يدخلونها عند استشهادهم فمن هنا يعلم أن الأرض ما هي بدار مقام بل الجنة لذا فهو يبذل نفسه رخيصة لنيل هذه الدار ، وهذا من أسباب النصر الذي يأخذ بها المسلم ، فقال تعالى : :( وكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمِنينَ ).
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور الحسيني أبو فرحة ـ الأستاذ بجامعة الأزهر :
إن الإيمان بالله عز وجل وبما جاء به سيدنا رسول الله ﷺ مع العمل بمقتضاه، له أعظم الأثر في النصر على أعداء الله، ذلك أن اعتقاد المسلم بأن الجهاد في سبيل الله وملاقاة الأعداء لا ينقص الأعمار، لأن الأعمار قد سبق بها قدر، تلك العقيدة تملأ نفس المؤمن شجاعة وإقدامًا.
قال ﷺ مشيرًا إلى حياة الشهيد بعد موته:
“لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بساق العرش ، فلما رأوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد، وينكلوا عن الحرب، فأنزل الله قوله: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله” الآيات.
ومن هنا يصرح القرآن بأن المسلم الذي امتلأ قلبه بعقيدة الإسلام، وأعدَّ ما استطاع من عدة ينتصر بها، وهؤلاء هم المسلمون في أكمل حالاتهم عقيدة وسلوكًا وتطبيقًا لشرع الله، قال تعالى مشيرًا إلى ذلك، [ إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين] الآيات
وإن كان المسلمون دون الكمال في العقيدة والسلوك وتطبيق شرع الله فإن الواحد منهم يغلب اثنين ، قال تعالى: [الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مانتين] الآيات.
فالمسلم في أضعف حالاته يغلب اثنين إذا أعد ما يمكنه من العدة، وتسلح بالصبر كذلك ؛ لأنه مع طلب النصر يحرص على الشهادة ولا يخاف الموت.
هذا ومن الأسرار التي هي من السنن الإلهية في كونه تعالى أن المسلمين إذا اتقوا ربهم بطاعته والبعد عن معاصيه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأعدوا ما استطاعوا وتسلحوا بالصبر أيضًا، إذا فعلوا ذلك كله من التقوى والصبر والإعداد فإن الله ينصرهم على أعدائهم، وإن كان الأعداء أكثر عددا أو عدة، ذلك أن الله عز وجل يمد المسلمين عند ذلك بمدد السماء من الملائكة وتلك سنة إلهية جارية إلى يوم القيامة قال تعالى مشيرًا إلى ذلك: [ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين].
وهكذا تبين لنا أن الإيمان بالله عز وجل وبما جاء به سيدنا رسول الله ﷺ من قرآن وسنة مع تطبيقها والعمل بما فيهما يثمر النصر في كل زمان ومكان.