المسلم الذي يأمن على دينه ونفسه وماله وأهله، ويستطيع إقامة شعائر دينه في بلد من البلدان غير الإسلامية لا تجب عليه الهجرة من هذا البلد، ويجوز لمن له مصلحة فيها الذهاب إليها.

وبصفة عامة فإن ثلاثة من المذاهب تميل إلى جواز هذه الإقامة، وهي: الشافعية، والحنابلة والأحناف، مع خلاف داخل هذه المذاهب، أما مالك – رحمه الله تعالى – والظاهرية فهؤلاء لا يجيزون الإقامة في دار الكفر، ويعملون بأحاديث أخرى منها: “لا تراءى ناراهما”، رواه أبو داود (2645)، والترمذي  (1604)، والنسائي (4780) من حديث جرير بن عبد الله، مع اختلاف في صحة هذه الأحاديث، وفي تأويلها أيضاً.

حديث أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين

وأما قوله : “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين”، فقد قال الحافظ ابن حجر “هذا محمول على من لم يأمن على دينه”. والوقوف على المناسبة التي ورد فيها النهي في الحديث السابق تؤكد هذا المعنى، فقد روى أبو داود والترمذي والنسائي عن جرير رضي الله عنه أن النبي بعث سارية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي فأمرهم بنصف العقل، وقال ” أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهرالمشركين”.

والمحقُّقون من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلدٍ بأنه بلدُ إسلامٍ أو بلد حرب هو الأمن على الدين، حتى لو عاش المسلم في بلد ليس له دين، أو دينه غير دين الإسلام ، فمتى استطاع المسلم  أن يمارس شعائر دينه بحريَّةٍ فهو في دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها.

جاء في كتاب “بيان للناس، الصادر عن الأزهر “أنَّ تقسيم البلاد إلى دار كُفْرٍ وإسلامٍ أمر اجتهاديٌّ من واقع الحال في زمان الأئمة المجتهدين، وليس هناك نصٌّ فيه من قرآنٍ أو سنةٍ.

والمحقُّقون من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلدٍ بأنه بلدُ إسلامٍ أو بلد حرب هو الأمن على الدين، حتى لو عاش المسلم في بلد ليس له دين، أو دينه غير دين الإسلام،  ومارس شعائر دينه بحريَّةٍ فهو في دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها.

حكم إقامة المسلم خارج ديار الإسلام

جاء في فتوى المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء:
لقد كثر الكلام وطال عن موضوع إقامة المسلم خارج ديار الإسلام، وسمعنا مذاهب تتسم بالتشدد المطلق بحيث توجب على كل من يعيش في هذه البلاد من المسلمين أن يرحل فورا، اعتمادا على حديث يروى في ذلك يتضمن البراءة ممن يقيم بين أظهر المشركين، سنأتي على بيان درجته ومعناه، وهذه المذاهب أوردت حرجا على كثير من المسلمين.

والذي نراه في هذه المسألة التفصيل فنقول: لا شك أنه لا يحل للمسلم أن يعيش بين غير المسلمين بغير هويته، إلا لإنسان تقطعت به الحيل ولم يجد سبيلا للخلاص، والسبب في ذلك يعود إلى التمكين أو عدم التمكين للمسلم من وقاية نفسه ودينه ومن هو مسؤول عنهم كأهل بيته وأولاده.

فإذا كان في بيئة يخاف منها على دينه أو نفسه وعياله فالواجب عليه أن يهاجر منها إلى بيئة يجد فيها تمكينا له من حفظ ذلك، ولم يحل له المكث في البيئة التي يخشى فيها على الدين الفساد أو على النفس الهلاك. قال الله تعالى: ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسي الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا * ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغَمًا كثيرا وسعة). فجعلت الآية من ظلم الإنسان لنفسه قبوله العيش في كنف الذل مع قدرته على الانتقال إلى أرض أخرى يجد فيها حريته وأمنه وأسباب عيشه، ولم تستثن من الوعيد الذي ينتظر هؤلاء إلا العاجزين الذين لا قدرة لهم ولا حيلة عندهم.

فالهجرة تكون مشروعة صحيحة إذا كانت إلى بيئة يقع له فيها تمكين أكثر للقيام بشعائر الدين بل هذه الهجرة مطلوبة مرغوبة كما تكون مشروعة من بيئة إلى أخرى لا تضر الإقامة فيها على الدين.

ومن ذلك الهجرة إلى الحبشة التي وقعت بإذن رسول الله للمستضعفين من أصحابه بمكة، الذين هاجروا من بيئة كفر وظلم إلى بيئة غير إسلامية؛ لكنها كان عادلة آوتهم وحمتهم وأقاموا فيها بين قوم نصاري لم يكونوا مسلمين، فأحسنوا البقاء بين أظهرهم وحافظوا على دينهم وأنفسهم ومن كان معهم من أهليهم ومكثوا بينهم إلى أن مكن الله تعالى لنبيه وأظهره على الكفار فحين رأوا استقرار أمر دولة الإسلام رجعوا باختيارهم لا بأمر رسول الله .

فالعبرة إذا هي القيام بالدين والمحافظة عليه ووقاية النفس من الظلم والأذي، فإذا كانت تلك الإقامة في بلد ما مساعِدةً على ذلك، فإنه لا يمتنع أن تكون في بلاد غير إسلامية أسوة بمهاجرة الحبشة، وإن كانت تضر بالدين وجبت الهجرة منها إلى بلاد يقدر الإنسان فيها على حفظ دينه ونفسه وأهله.

قصة حديث أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين

هذا حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: بعث رسول الله سرية إلى خثغم فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل (أي أسرع بقتلهم) قال فبلغ ذلك النبي فأمر لهم بنصف العقل وقال: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين” قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: “لا تراءى ناراهما” فهذا حديث لا يصح.

ولو ثبت فسبب وروده مفسر لمعناه؛ وهو أن أناسا أسلموا ومكثوا مع قومهم الكفار ولم يهاجروا إلى بلد الإسلام، فإذا وقعت مواجهة بين المسلمين وأولئك الكفار لم يتميز أمر أولئك المسلمين من بين سائر قومهم الكفار، فيقتلهم المسلمون في المعركة لعدم معرفتهم بهم حيث لم تميزهم علامة، فالبراءة منهم من جهة أن المسلمين لو قتلوهم فلا تبعة عليهم بذلك، وهذا المعني لا وجود له اليوم.