حينما أشرق الإسلام على الأرض كان أول مانادى به هو تحرير الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وهي أعلى مراتب الحرية.
هل مبدأ الحرية قرره الإسلام
يقول فضيلة الشيخ “أحمد الشرباصي “رحمه الله:
يتغنَّى الكثيرون من أبناء الغرب بأن ثوراتهم هي التي أوجدت بين الناس مبادئ الحرية والاستقلال، وعلَّمتْهم كرامة النفس وإباء الاستعباد، ولكن هذا القول باطل وزور، فإن الإسلام الحنيف الذي شرعه الله للناس كافة رحمة ونورًا وضياء، قد سبق هذه الثورات بزمن طويل بعيد، في تقرير مبادئ الحرية والكرامة البشرية، ومقاومة العبودية لغير الله في أي ميدان من الميادين.
-لقد قرَّر الإسلام قبل هذه الثورات الجزئية المتأخرة مبدأ الحرية في النفس والمال والعِرْض، فنفس الإنسان في الإسلام معصومة ، لا يجوز الاعتداء عليها، أو النَّيْل منها، وكذلك مال الإنسان معصوم لا يُؤخذ منه شيء إلا بحقه، وكذلك عِرْض الإنسان لا يُهان ولا يُخدش قال رسول الله ﷺ: “كل المسلم على المسلم حرام دمُه وماله وعِرضه “.
-وقرَّر الإسلام مبدأ الحرية في العبادة والاتصال بالله، فليست هناك واسطة بين الله وعباده، ولا يتوقف اتصال الله بعبد من عباده على وساطة كاهن أو راهب أو شيخ أو مُرشد، بل الله سميع بصير، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويعلم السر والنَّجوى، وبابه الكريم مفتوح لكل لاجئ ولكل طالب قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتِجيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون) (البقرة: 186).
-والمسلم يستطيع أن يؤدِّي فروضه الدينية في حرية واستقلال، فالصلاة مقبولة حيثما أدَّاها صاحبُها، فقد جُعِلَت الأرض للمسلمين مسجدًا، كما جُعِلَ ترابُهَا طَهورًا، وَكذلك يستطيع المرء أن يصوم وأن يُؤدِّي الزكاة دون احتياج إلى قائد يُقيِّد خطواته، أو يتعسف في توجيهاته.
-وهؤلاء الأنبياء والمرسلون ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهم النماذج العليا للبشرية، وهم الذين صنعهم الله على عينه، واختارهم لرسالته، وجعلهم أمناء على وحيه وشرائعه وعصمهم بعصمته.
هؤلاء الأنبياء ليس عليهم إلا التبليغ قال تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغ) (النور: 54؛ والعنكبوت: 18). فهم لا يتدخلون ولا يتحكمون في نفس الإنسان بل يُؤدون إليه أمانة ربهم، والله هو الذي يهدي مَن يشاء ويضل مَن يشاء.
-ولذلك يقول الله سبحانه لرسوله الأعظم محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ) (آل عمران: 128).
ويقول سبحانه وتعالى له: (يا أيها الرسولُ بَلِّغ ما أُنْزِلَ إليكَ من رَبِّكَ وإنْ لمْ تَفْعَلْ فما بَلَّغْتَ رِسَالته واللهُ يعْصِمُكَ منَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي القومَ الكَافِرِينَ) (المائدة 67).
ويقول تعالى له: (وَمَا رَمَيتَ إِذْ رَمَيتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) (الأنفال: 17).
ويقول له: (وَإنْ يُرِيدوا أنْ يَخْدَعُوك فإنَّ حَسْبَكَ اللهُ هو الذي أَيَّدَكَ بنَصْرِه وبالمؤمنين وألَّفَ بين قُلُوبِهِمْ لَوْ أنْفَقْتَ ما في الأرض جميعًا ما ألَّفْتَ بين قلوبهِمِ ولكنَّ الله ألَّفَ بَينَهُم إنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم) (الأنفال: 63).
-وقرَّر الإسلام مبدأ التحرر من زَهْو الأنساب والدماء، فلا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، والناس كلُّهم لآدمَ، وآدمُ من تراب، ولذلك هم في نظر الإسلام كأسنان المُشط في الاستواء، وإنما يتفاضلون بالعمل الصالح، وليس هناك شعوب راقية في دمائها وأجناسها، وأخرى مُنحطَّة في أصلها وأنسَابها قال تعالى: (فَليَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ . يَخرُجُ من بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) (الطارق: 5 ـ 7).
الإسلام قرر مبدأ الحرية قبل الغرب
الإسلام قد قرَّر قبل ثورات الغرب التحرر من أسباب الخوف، فالذين اتصلوا بربهم وراقبوه، وأخلصوا له العبادة والطاعة، لا ينالهم همٌّ ولا حزَن.
قال تعالى: (فَمَن تَبِعَ هُدَاي فَلَا خَوْفٌ عَليهم ولا هُم يحْزَنُونَ) (البقرة: 38).
وقال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عليهِم وَلَا هُم يَحزنون الذين آمَنوا وكانوا يتَّقُونَ لهمُ البُشْرَى في الحياة الدنيا وفي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لكلماتِ اللهِ ذلك هو الفوزُ العظيمُ) (يونس: 62).
بل يَزيدُ القرآنُ الكريم هذا الأمر إيضاحًا وإبرازًا حين يقول: (إنَّ الذين قالوا رَبُّنَا اللهُ ثُم استَقَامُوا تتنزَّلُ عليهمُ المَلَائِكَةُ ألَّا تَخَافُوا وَلَا تحْزَنُوا وأبْشِرُوا بالجَنَّةِ الَّتي كنتم تُوعَدَونَ . نحن أولياؤُكم في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسُكم ولكم فيها ما تَدَّعُون . نُزَلاً مِنْ غَفُور رَحِيم) (فصلت : 30 ـ 32).
حسْب المرء أن يخاف ربَّه وحدَه، وإذا كل شيء أمانٌ واطمئنانٌ قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأَوَى) (النازعات: 40 ـ 41).
ارْفع رأسك أيها المسلم، فقد كرَّمك الله وكرَّم رأسك، ولا تَذِلَّ إلا لبارئك، فإن الذُّلَّ له غاية العز والكرامة، وإنه سبحانه مالك الملك، يؤتي الملك مَن يشاء، ويَنزِع الملك مِمَّن يشاء، ويُعز مَن يشاء ويُذل مَن يشاء، بيده الخير ، إنه على كل شيء قدير.