صيام النافلة في جميع أيام السنة مشروع إلا في رمضان والعيدين وأيام التشريق، ويوم الجمعة ، ويوم السبت، فأما شهر رمضان فلأنه ليس محلا للتطوع ، وأما غيره فلما صح من النهي عن صيام النافلة فيه.

ومع أن صيام النافلة مشروع فيما عدا هذه المواضع إلا أنه يكون في بعضها أوكد من بعض، وتتأكد المشروعية في بعض هذه الأيام حتى يصير الصيام سنة وهديا ثابتا عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم.

من ذلك صيام الإثنين والخميس،فصيام أثانين وأخمسة السنة كلها – ومنها شهر رجب– سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان صيام الإثنين أثبت من يوم الخميس ما لم يقصد الصائم بصيامه إياها تعظيم شهر رجب.

فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال : ( فيه ولدتُ ، وفيه أُنزل عليَّ ، رواه مسلم .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صوم الاثنين والخميس) رواه الترمذي ، وغيره، وصححه الشيخ  الألباني .

ومن ذلك صيام الأيام البيض من كل شهر، فعن أبي أبا ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذاصمتَ شيئا من الشهر فصم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة) رواه الترمذي وغيره، وصححه الشيخ الألباني.

بل أصل صيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة ثابتة سواء أكانت من أول الشهر أو من وسطه ، أو من آخره،فعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت : نعم . فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم. رواه مسلم .

ومن ذلك صيام يوم ، وإفطار يوم، ففي صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما”.

فصيام هذه المواضع سُنةٌ من كل شهرٍ، إلا في المواضع التي ذكرنا  النهي عن التطوع فيها.

وسواء في ذلك الصيام لمن كانت له في ذلك عادة أو لمن لم تكن له عادة، أو تطوع بهذا الصيام بنية تدريب نفسه على الصيام بين يدي شهر رمضان.

والخلاصة أن الأيام التي صح نهي الشارع عن الصيام فيها هو يوم الجمعة، ويسقط النهي إذا صام الصائم مع الجمعة يوما قبله ، أو يوما بعده.

وقد جاء النهي عن صيام يوم السبت ، فجاء في كتاب فقه السنة ،تحت عنوان : النهي عن إفراد يوم الست بصيام : ” عن بسر السلمي عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم”

رواه أحمد وأصحاب السنن والحكم وقال : صحيح على شرط مسلم وحسنه الترمذي ”

قال الشيخ الألباني في تعليقه على هذا الحديث:-

اختلف العلماء في هذا الحديث فقواه من ذكر المؤلف وقال مالك : ” هذا كذب ”

وضعفه الإمام أحمد كما في ” تهذيب السنن ” وقال النسائي : ” هو حديث مضطرب ” وبه أعله الحافظ في ” بلوغ المرام ” فقال : ” ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب وقد أنكره مالك ”

وقد بين الاضطراب فيه الحافظ في ” التلخيص ” ( 6 / 472 ) فليراجعه من شاء

ثم تبين لي أن الحديث صحيح وأن الاضطراب المشار إليه هو من النوع الذي لا يؤثر في صحة الحديث لأن بعض طرقه سالم منه وقد بينت ذلك في ” إرواء الغليل ” ( 960 ) بيانا لا يدع مجالا للشك في صحته

وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفردا يأباه قوله : ” إلا فيما افترض عليكم ” فإنه كما قال ابن القيم في ” تهذيب السنن ” : ” دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا أو مضافا ” لأن الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الأفراد لقال : لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة علم تناول النهي لما قابلها ”

قلت : وأيضا لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران فإذا استثني الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لا يخفى

وإذ الأمر كذلك فالحديث مخالف للأحاديث المبيحة لصيام يوم السبت كحديث ابن عمرو الذي قبله ونحوه مما ذكره ابن القيم تحت هذا الحديث في بحث له قيم أفاض فيه في ذكر أقوال العلماء فيه وانتهى فيه إلى حمل النهي على إفراد يوم السبت بالصوم جمعا بينه وبين تلك الأحاديث وهو الذي ملت إليه في ” الإرواء ”

والذي نراه – والله أعلم – أن هذا الجمع جيد لولا أمران اثنان : الأول : مخالفته الصريحة للحديث على ما سبق نقله عن ابن القيم

والآخر : أن هناك مجالا آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث إذا ما أردنا أن نلتزم القواعد العلمية المنصوص عليها في كتب الأصول ومنها : أولا : قولهم : إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح

ثانيا : إذا تعارض القول مع الفعل قدم القول على الفعل

ومن تأمل في تلك أحاديث المخالفة لهذا وجدها على نوعين : الأول : من فعله صلى الله عليه وسلم وصيامه

الآخر : من قوله صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عمرو المتقدم

ومن الظاهر البين أن كلا منهما مبيح وحينئذ فالجمع بينها وبين الحديث يقتضي تقديم الحديث على هذا النوع لأنه حاظر وهي مبيحة.

وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجويرية : ” أتريدين أن تصومي غدا ” وما في معناه مبيح أيضا فيقدم الحديث عليه.