قاعدة الأمور بمقاصدها، واحدة من القواعد الكلية التي يحتكم إليها الفقهاء في الأحكام الجزئية ،والمقصود منها ارتباط النية بالفعل ،والنية التي لا تقترن بفعل لا أثر لها ،والألفاظ الصريحة لا تحتاج إلى نية ،والألفاظ غير الصريحة هي التي تحتاج إلى نية ،فلا بد من معرفة نية القائل حتى يترتب عليها الحكم الشرعي.

ما المقصود بالأمور بمقاصدها

جاء في كتاب درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر من فقهاء الأحناف بتصرف:

الأمور بمقاصدها يعني : أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر .

والقاعدة : لغة أساس الشيء ، وفي اصطلاح الفقهاء هو الحكم الكلي أو الأكثري الذي يراد به معرفة حكم الجزئيات .

و قد قرن الفعل بالقصد في قوله: الأمور بمقاصدها ، فالنية التي لا تقترن بفعل ظاهري لا تترتب عليها أحكام شرعية . فلو طلق شخص زوجته في قلبه أو باع فرسه ولم ينطق بلسانه لا يترتب على ذلك الفعل الباطني حكم; لأن الأحكام الشرعية تتعلق بالظواهر. وكذا لو اشترى شخص مالا بقصد أن يوقفه وبعد أن اشتراه لم يتكلم بما يدل على وقفه ذلك المال فلا يصير وقفا .

كذلك لو نوى شخص غصب مال شخص آخر ولم يغصبه وتلف ذلك المال في يد صاحبه لا يضمن بمجرد نية الغصب ، ولو أخذ المودع المال الوديعة بقصد استهلاكها ، ثم أرجعها إلى موضعها وتلفت بلا تعد ولا تقصير لا يضمن .

حكم الأفعال بلا نية

أن الألفاظ الصريحة لا تحتاج إلى نية ويكفي حصول الفعل لترتب الحكم عليها إذ أن الأفعال الصريحة تكون النية متمثلة بها. مثال ذلك: لو قال شخص لآخر: بعتك مالي هذا أو أوصيت لك به . يصح البيع أو الوصية، كما أن الإقرار، والوكالة، والإيداع، والإعارة، والقذف، والسرقة كلها أمور لا تتوقف على النية بل فعلها يكفي لترتب الحكم.

و أما في الألفاظ غير الصريحة فيختلف حكم اللفظ الواحد باختلاف مقصد الفاعل كالبيع مثلا إذا استعمل بصيغة المضارع كقول البائع أو المشتري ( أبيع وأشتري ) إذا قصد به الحال ينعقد البيع وإذا قصد به الاستقبال لا ينعقد، وعلى ذلك فباختلاف القصد قد يختلف الحكم، وأما صيغة الماضي فينعقد البيع ولا يتوقف على النية بمعنى الحال لكونها من الصيغ المستعملة الصريحة في العقود المقصود بها الحال. كذلك لو أقر شخص لآخر بقوله : لك علي درهم في درهمين . فإذا كان يقصد بكلامه هذا مع درهمين أو درهمين فيحكم عليه بثلاثة دراهم وإذا كان المقصود به الظرف لا يحكم عليه إلا بدرهم واحد . كذلك لو تعدى المودع على الوديعة، ثم أزال التعدي ينظر فإذا كان المودع ينوي إعادة التعدي فهو ضامن لو تلفت الوديعة بلا تعد ولا تقصير، وأما إذا كان ناويا عدم العودة إلى التعدي فلا يضمن . وكذا الشخص الذي يحرز مالا مباحا إذا أحرزه بقصد تملكه يصبح مالكا له وإلا فلا .

مثال ذلك : لو وضع شخص إناء تحت المطر وتجمع فيه ماء فإذا وضع ذلك الإناء بقصد جمع الماء وإحرازه يصبح مالكا له ، والحالة هذه لو اغتصب الماء أحد يضمنه، وأما إذا كان قد وضع الإناء بقصد غسله بماء المطر لا بقصد جمع الماء وأخذها أحد لا يضمن; لأن صاحب الإناء لم يملك الماء لعدم سبق نية منه لإحرازه.

كذلك لو وضع شخص فخا بمحل ووقع في الفخ طير فإذا كان صاحب الفخ نصب فخه بقصد الصيد فالطير يكون ملكه، وأما إذا كان وضعه بقصد التجفيف في الهواء فالطير الذي يقع في الفخ يكون غير مملوك لصاحب الفخ ، فإذا أخذه شخص ما لا يحق لصاحب الفخ أن يطالبه به .

كذا لو وجد شخص لقطة – أي مالا ضائعا – فإن أخذه بقصد تملكه يعد غاصبا فوالحالة هذه لو تلف بيده بلا تعد ولا تقصير ضمن قيمة المال لصاحبه، أما إذا أخذه بقصد تسليمه إلى صاحبه وتلف المال بلا تعد ولا تقصير لا يضمن ; لأنه يكون في حكم الأمين .

الأحكام الشرعية التي لا تتبدل أحكامها باختلاف القصد والنية

توجد بعض أحكام شرعية لا تتبدل أحكامها نظرا للقصد والنية ، وذلك كما لو أخذ شخص مال آخر على سبيل المزاح بدون إذنه فبمجرد وقوع الأخذ يكون الآخذ غاصبا ولا ينظر إلى نيته من كونه لا يقصد الغصب بل يقصد المزاح.

وكذلك لو أتى شخص عملا غير مأذون فيه فإنه يضمن الخسارة الناشئة عن عمله ، ولو حصلت عن غير إرادة منه .

مثال ذلك : لو أن شخصا شاهد سكران وأخذ النقود التي يحملها بقصد حفظها من أن تسقط منه فحكمه حكم الغاصب ويصبح ضامنا فيما لو تلفت .
هذا وبما أن القواعد الكلية هي قواعد أكثرية وأغلبية فوجود بعض أحكام منافية لهذه القاعدة أو غيرها لا تأثير لها .