الهجرة كانت واجبة في أول الإسلام إلى المدينة ، ثم نسخ الوجوب بقوله – ﷺ -: “لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية [1]. وفي الحديث الصحيح عند البخاري ، وأبو داود، والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رجلاً سأل النبي – ﷺ – عن الهجرة، فقال: ” ويحك إن شأنها شديد، فهل لك من إبل تؤدي صدقتها ؟ قال: نعم ، قال: فاعمل من وراء البحار ، فإن الله لن يَتِرَكَ من عملك شيئاً “[2].
وهكذا نقول لكل مسلم: اعملوا من وراء البحار ، فإن الله لن يتركم من أعمالكم شيئاً ، فابذلوا جهدكم في دعوة من حولكم إلى الله ، ونشر العقيدة الصحيحة ، وكونوا قدوة حسنة في أخلاقكم ومعاملتكم، وتعاونوا مع إخوانكم المسلمين في هذا وفي غيره، وأدوا ما افترض الله عليكم من الواجبات. اللهم إلا إذا أتيحت فرصة مناسبة للانتقال إلى بلد إسلامي ، يحقق للمسلم المزيد من المحافظة والالتـزام الإسلامي ، مع عدم الإخلال البين بمصالحه الدنيوية ، فهذا طيب وحسن ، ولا نراه واجباً.
أما حديث ” أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين “[3]، الراجح أنه مرسل غير متصل ،كما رجحه البخاري، والترمذي، وأبو داود، وأبو حاتم، وحديث “لا يقبل الله من مشرك عملاً بعد ما أسلم، أو يفارق المشركين إلى المسلمين”[4] ، وهو من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهذا إسناد مشهور، وفيه اختلاف. فمنهم من قبله مطلقاً كيحى بن معين، وعلي بن المديني، ومنهم من رده كأبي عبد الله الحاكم، حيث يقول: “روايته عن أبيه عن جده شاذة لا متابع له فيها “.
وقال أبو زرعة :” صالح ، ولكنه ليس بالمشهور “.وقال أبو حاتم :” يكتب حديثه، ولا يحتج به[5] ، ولعل الأقرب أن يقبل منها ما وافق الثقات لا ما انفرد به.
وفي الحديث معنى غريب ، وهو عدم قبول عمله حتى يفارق المشركين ، ومثل هذا المعنى الكبير ينبغي التثبت فيه .
[1] – أخرجه البخاري (2783)، ومسلم (1864) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -،
[2]- أخرجه البخاري (1452)، وأبو داود (2477)، والنسائي (4164).
[3]- رواه أبو داود (2645)، والترمذي ( 1/ 303 )، وغيرهما.
[4]- رواه النسائي (1/ 358)، وأحمد (5/ 5)
[5]- انظروا للمزي (تهذيب الكمال 4/ 259).