من فضل الله سبحانه وتعالى أن فتح لنا أبواب الخير ومضاعفة الدرجات والحسنات في كل يوم من الأيام بل في كل دقيقة من الدقائق؛ فالذكر والاستغفار والتهليل والتحميد والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم يؤجر الإنسان عليها، وهي من الأعمال الصالحات التي يأخذها الإنسان في كل يوم، وقراءة القرآن كذلك سواء من المصحف أو بالسماع أو بالتلاوة أو بالحفظ، وكذلك كما يقول الرسول (): “الإيمان سبع وسبعون شعبة أعلاها الإيمان بالله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”.

فيستطيع المسلم في كل لحظة من لحظات الحياة أن يتعبد الله سبحانه وتعالى بهذه الشعب التي ذكرها رسول الله ()، وكذلك من فعل الخير وعبادة الله سبحانه وتعالى واقتناص فرص الزمان والمكان لزيادة الثواب والأجر، كالصلاة في المساجد، وقراءة القرآن فيها، والاعتكاف فيها انتظارا للصلاة، والمشي إليها لأداء الصلاة، والدعاء فيها كذلك.
واقتناص الزمان كالعشر الأواخر من رمضان، والستة من شوال، ويوم عرفة، والعشر الأول من ذي الحجة، وهي تعادل العشر الأخير من رمضان في ثوابها وفي أجرها، وكذلك الصدقات والإحسان، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وعيادة المريض وتشييع الموتى..فإذن نقول بأن كل أعمال الإنسان إذا كانت النية فيها خالصة لله سبحانه وتعالى تعتبر من الأعمال الصالحة “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين”.

ثمرات العمل الصالح في الدنيا

للعمل الصالح ثمرات في الدنيا قبل الآخرة، فالله تعالى الكريم يجازي من أطاعه بالثواب الجزيل في الدنيا، مع ما ادخره لهم في الآخرة؛ وهذه بعض الثمرات:

الثمرة الأولى: السعادة والحياة الطيبة:

قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]؛ قال ابن كثير: “هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحًا – وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه – من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله – بأن يحييَه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيَه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة.

الثمرة الثانية: حفظ الأهل والذرية والأموال:

قال تعالى: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، ويفسر هذه الآية آية سورة الكهف؛ قال الله تعالى في قصة إقامة الجدار للغلامين على لسان الخضر لموسى عليهما السلام: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ [الكهف: 82]؛ قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾: “حُفظا بصلاح أبيهما”، وقال محمد بن المنكدر: “إن الله تعالى يحفظ عبده المؤمن في ولده وولد ولده وفي ذريته وفي الدويرات حوله.

الثمرة الثالثة: سبب لتفريج الهموم وكشف الغموم والكربات وقضاء للحاجات:

الأعمال الصالحة لها أثر عند الأزمات والمدلهمات؛ كما جاء في قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار فأُطبق عليهم، كان للعمل الصالح أثرٌ عظيم في نجاتهم من الهلاك؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: (خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل، فانحطت عليهم صخرة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران – فذكر من حسن بره بهما – ثم قال: فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغَون عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجةً نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأةً من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء – وذكر من عفته عما حرم الله – ثم قال: فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجةً، قال: ففرج عنهم الثلثين، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا بفَرَقٍ من ذرة فأعطيته وأبى – فذكر من حسن وفائه – ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم).

الثمرة الرابعة: محبة الله عز وجل والقرب منه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (إن الله قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته) ؛ فالتقرب إلى الله بالنوافل تستحق المحبة منه تعالى.

الثمرة الخامسة: العمل الصالح يورث الود في قلوب الخلق:

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]؛ أي: إن الذين آمنوا بالله ورسله، وصدقوا بما جاءهم من عند ربهم، فعملوا به، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ في الدنيا في صدور عباده المؤمنين؛ قال قتادة: “ما أقبل عبدٌ إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه، وزاده من عنده”.

ثمرات العمل الصالح في الآخرة

الثمرة الأولى: حسن الخاتمة:

عن أنس قال: قال رسول الله : (إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت).

الثمرة الثانية: البشارة عند الموت بالجنة:

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 – 32]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32].

الثمرة الثالثة: الأمان من عذاب القبر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: (إن الميت إذا وُضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمنًا، كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة، والصلاة، والمعروف، والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قِبَلِي مدخل، ثم يؤتى من قبل يساره، فتقول الزكاة: ما قِبَلِي مدخل، ثم يؤتى من قِبَل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل، فيقول له: اجلس، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد أذنت للغروب، فيقال له: أرأيتك هذا الذي كان قبلكم ما تقول فيه، وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولان: إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان قبلكم ماذا تقول فيه، وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد؟ أشهد أنه رسول الله ، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك متَّ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يُفتَح له باب من أبواب الجنة، فيُقال له: هذا مقعدك منها، وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطةً وسرورًا، ثم يُفتَح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطةً وسرورًا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا، وينوَّر له فيه، ويُعاد الجسد لما بُدئ منه، فتُجعل نَسَمته في النَّسَم الطيب، وهي طيرٌ تُعلَّق في شجر الجنة؛ فذلك قوله: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]…).

قال ابن القيم: “وقد دل على ذلك أن الأعمال من الصلاة والزكاة والصيام، وفعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس – من أسباب النجاة من عذاب القبر وكربه وفتنه.

الثمرة الرابعة: ما أعده الله لهم مما لم تَرَهُ عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر:

عن أبي هريرة عن النبي : (قال الله تعالى: أعددت لعباديَ الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ واقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17].

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [العنكبوت: 58]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [الشورى: 22].

الثمرة الخامسة: أعظم نعيم أهل الجنة رؤية وجه الكريم جل جلاله

عن صهيب عن النبي قال: (إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيِّضْ وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيُكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل)، زاد في رواية: ثم تلا هذه الآية: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ [يونس: 26]، وقد فُسِّرت الحسنى بالجنة، والزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، كما يشير إليه الحديث.