الحديث المتواتر هو ما يَرويه جمْع يُحيل العَقلُ في العادة تواطؤَهم على الكذب، وذلك في كل طبقة من ابتداء الرواية إلى من تلقَّوه عن الرَّسول ـ ﷺ ـ أو عَرَفوه عنه فعلًا أو وصْفًا أو تقريرًا، وقدْ يكون متواترًا لفظيًّا إذا اتحدت الرواة في الألفاظ التي يَقولونها، أو متواترًا معنويًا إذا اتفقوا في رواية المعني مع اختلاف الألفاظ، والتواتر المعنوي كثير، أما اللَّفْظي فقليل، ومنه أحاديث: “من كذب عليَّ متعمدًا فلْيتبوَّأْ مَقْعده من النار”، ” نزل القرآن على سبعة أحرف”، ومن المتواتر المعنوي حديث رفع اليدين في الدعاء، فقد روى فيه أكثر من مائة حديث، لكنها في وقائع مختلفة،
ما حكم من أنكر الحديث المتواتر
الذي ينكر الحديث المتواتر بالإجماع يكون كافرًا، وكذلك يَكْفُر من أنكر ما أجمع عليه المسلمون كعدد الصلوات الخمس وركعاتها، ومناسك الحج.
الأحاديث غير المتواترة وحكم من أنكرها
الأحاديث غير المتواترة تُسمَّى أحاديث آحاد منها المشهور والعزيز والغريب، ويُحكم عليها بالصحة أو الحسن أو الضعف، ومُنكرها لا يُكَفَّر، وإذا كان الإنكار عن هَوى أو تعصب كان فسقًا يأثم صاحبه. والأحاديث الموجودة في البخاري ومسلم قال ابن الصلاح: إنها صحيحة قَطْعًا لاتفاق الأمة على تلقِّيها بالقبول، والأمة لا تتَّفق على خطأ، وأما ما روى فيهما معلقًا، وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر فلا يَبلغ مرتبة القطع عنده، واستثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحَّته مائتين وعشرين حديثًا، والحافظ العراقي أفردها بكتاب تصدَّى فيه للجواب عنها، وتعرَّض الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري لِمَا طعن فيه من أحاديث البخاري، ودفع ما وُجِّه إليها من مآخذ بالتفصيل.
التشكيك في صحيح البخاري ومسلم
الإمام النووي خالف ابن الصلاح في دعوى القطع بصحة ما في الصحيحين – إلا ما استثني – وقال: إن المحقِّقين والأكثرين يذهبون إلى أن صحة ما روياه صحة مظنونة إلا أن يكون متواترًا، وأما تلقِّي الأمة لهما بالقبول فلأن ما رَوَيَاه يُفيد الظَّن، والظن يَكفى في تقرير الأحكام العملية، وأما قوله تعالى: (وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا) (سورة النجم:28) فمحمول على ما يَرجع إلى أصول الدين كالعقائد؛ لأنه يقصد منها العلم واليقين.
ومَزِيَّة ما في البخاري ومسلم على رأي النَّووي تظهر في أن ما روى فيهما صحيح لا يحتاج إلى البحث والنظر، بل يؤخذ بالتسليم، أما ما يُروى في غيرهما فيحتاج إلى نظر لمعرفة رتبته من القبول.
فالخلاصة أن ما رواه الشيخان ـ البخاري ومسلم ـ وكان متصل الإسناد من طريقين فأكثر وتلقَّاه رجال الحديث بالقبول يُفيد العلم بصحة نسبته إلى النبي ـ ﷺ ـ، كخبر الآحاد الذي تَحْتَفُّ به قرائن الصِّدْق فلا تَبْقي لمن يتلقَّاه شيئًا من التردُّد في صحَّته ” مجلة الأزهر – المجلد الأول ص 546-549″.