يجوز للمرأة الاعتكاف في المسجد على رأي كثير من أهل العلم ، بشرط أن يكون بعيدا عن معتكف الرجال، وأن يكون ذلك بإذن الزوج، ويرى الأحناف أن للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها .
وقد عرف الفقهاء الاعتكاف بأنه : لزوم المسجد بنية العبادة لله تعالى ، ومن المعلوم شرعا أن الشرائع الأصل فيها التساوي بين الرجل والمرأة ، إلا ما نص الشرع على المفارقة بينهما ، وفيما يخص المسجد بشكل عام ، فإن الإسلام أوجب على جماعة المسلمين إقامة الصلوات في المساجد ، من باب فروض الكفايات، مع أن الصلاة في المسجد من السنن المؤكدة ، لكنها في حق الأمة فرض كفائي، يجب على البعض، ولكن لا يجوز أن يترك المسلمون جميعا المساجد دون الصلاة.
وفيما يخص المرأة ، فإن الإسلام أجاز لمعشر النساء الذهاب إلى المساجد ، ولكنه لم يوجبه عليهن ، فقال ﷺ :” لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وبيوتهن خير لهن”، وهذا يعني أن ذهاب المرأة إلى المسجد مباح شرعا، وأنها تنال بالصلاة في المسجد ثواب الجماعة .
وعلى هذا الأصل ، وهو ذهاب المرأة إلى المسجد، كان الاعتكاف للنساء مباحا ، على رأي جمهور الفقهاء ، لأنه لما جاز الخروج لها للمسجد ، جاز لها الاعتكاف فيه ، وإعمالا لمبدأ المساواة في أجر العمل الصالح بين الجنسين ، مصداقا لقوله تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّنذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) آل عمران : 195 .
وفي الحديث عن عروة عن عائشة { أن رسول الله ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله تعالى } . زاد الشيخان { ثم اعتكف أزواجه من بعده } .
وقيل لابن القاسم : ما قول مالك في المرأة تعتكف في مسجد الجماعة ؟ فقال : نعم , قيل : أتعتكف في قول مالك في مسجد بيتها ؟ فقال : لا يعجبني ذلك , وإنما الاعتكاف في المساجد التي توضع لله .
ولكن الفقهاء قد اشترطوا أن يكون الاعتكاف بإذن الزوج ، وهذا من باب المحافظة على مؤسسة الزوجية، ولحاجة البيت إلى الزوجة أكثر من الزوج ، فالزوج قد لا يستغني عن زوجته ، والأولاد لا يستغنون عن أمهم ، فغياب الزوجة غير غياب الزوج ، وإن كان كلاهما وجوده غاية في الأهمية .
على أن المرأة لو لم يكن عندها ما يشغلها عن بيتها ، فاعتكافها أولى ، وخاصة أن الاعتكاف مدرسة روحية ، وفي ظل زخم الحياة المادية ، تحتاج المرأة – كما يحتاج الرجل – إلى تجديد العلاقة بالله تعالى ، والانقطاع ولو لبضعة أيام عن مشاغل الدنيا التي لا تنتهي ، وإن كان الرجال في حاجة إلى هذا المعنى ، فالمرأة أيضا في حاجة إليه .
إن وظيفة المسجد الروحية من تجديد معنى العبودية لله تعالى ، ومن مراجعة النفس، وشغلها بكثير من الطاعات ، يعطي للمرأة شحنة إيمانية تدفعها لتصحيح مسارها في الحياة ، وإن كانت الدنيا كلها تسعى الآن لأن تعطي المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فإن حق المرأة من أن تخلو بنفسها بينها وبين ربها ، وأن تجدد العلاقة معه سبحانه لا يقل أهمية عن بقية الحقوق .
على أن يكون الاعتكاف للنساء في مسجد خاص بهن ، لطبيعة التعايش بين النساء، فاختلاط الرجال بالنساء يفقد الاعتكاف الثمرة المرجوة من ورائه، إذ المقصود منه أن تختلي المرأة بنفسها ، أما الاختلاط فإنه يوقظ مشاعر الميل بين الجنسين ، مما يخرج الاعتكاف عن مقصوده .
ومن جميل ما قاله السادة الأحناف أن اعتكاف المرأة يكون في مسجد بيتها، يعني في المكان الذي تصلي فيه باستمرار في البيت، حيث كانت النساء تجعل لنفسها حجرة للصلاة ، وهذا الرأي يجعل المرأة لا تحرم نفسها من الاعتكاف ، فللمرأة التي يمنعها زوجها من الاعتكاف في المسجد ، أن تستأذنه في الاعتكاف في مسجد بيتها .
وفي الجمع بين رأي الجمهور ورأي الأحناف تأكيد على دور الاعتكاف في حياة المرأة المسلمة ، وأنه من المستحسن أن يأخذ طريقه في حياته ، وأن يكون جزءا من نشاطها الديني في حياتها .