إذا ظلم المرء فإنه لا يمنع شرعا من أن ينتصر لنفسه من الظالم بشرط أن لا يزيد على قدر مظلمته، وأقل مظاهر انتصاره من الظالم أن يطلب منه الاعتذار، غير أن( الدفع بالتي هي أحسن، ومقابلة الإساءة بالإحسان، ومقابلة الظلم بالصفح والعفو ) درجة عالية من درجات الإيمان لا يقدر عليها إلا من آثر ما عند الله عز وجل على الترضية في الدنيا، وإن الذي ينتصر في دنياه من الظالم يود لو أنه كظم غيظه، وعفا عمن أساء إليه يوم يجد ما يعطيه الله عز وجل للمحسنين الذين يكظمون الغيظ ويعفون عن الناس.

ماذ يفعل من وقع عليه السب والأذى

ومن وقع عليه السب والأذى كان بين ثلاثة خيارات:-

أولا- أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين، كما قال تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. ) [آل عمران:133،134]
وقال تعالى: ( فمن عفى وأصلح فأجره على الله ) [الشورى:40] وقال تعالى: ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) [النور:] [النور:22].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ” ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ” وما جاء في معناها من النصوص كثير.

ثانيا – الإمساك عن العفو والصفح ليلقي المذنب ربه بما اقترف من الإثم .-

لكن – كما قال بعض السلف – ما يفيدك أن يعذب الله أحداً لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت.

ثالثا – المقاصة، ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز. لقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله) [الشورى: 40].-

وقوله: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً إن تبدوا خيراً أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً ) [النساء: 140،149]وقوله تعالى: ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) [الشورى:41-43]
ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات، وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب. ومما يؤكد ذلك أن الآيات التي أفادت إباحة المقابلة بالمثل قرنت بالدعوة والترغيب في العفو ، والعفو معناه تحمل الإساءة والصبر على آثارها في النفس أو العرض أو غيرهما، رجاء ثواب الله وحسن العاقبة لديه. وعليه فمن اختار مقام العفو والصفح لم يطلب الاعتذار.