تزامن مع ظهور الإنترنت اللاسلكي هذا السؤال الملح، هل يجوز الاستفادة منه متى أتيح الوصول إليه دون إذن من صاحبه أم لا؟ والذي رشح للجواز عند كثير من الناس أن الخدمة تترك متاحة دون تشفير، ولو شاء صاحبها لشفرها دون عناء ، ففهم هؤلاء أن تركها دون تشفير إذن ضمني بإتاحة استخدامها.
وتناول الفقهاء المسألة فاختلفوا فيها كما اختلفوا في غيرها من آلاف المسائل الفقهية، والمدقق في الفتاوى التي تعلقت بالمسألة يجد أن سبب الخلاف راجع إلى تصور المسألة وتصويرها معا، فبعض الفقهاء كالشيخ الدكتور هاني الجبير لم يبد له الأمر في تصور المسألة إلا أن صاحب الاشتراك بتركه الباب مفتوحا قد أذن لمن شاء بالدخول.
حكم استعمال شبكة الأنترنت الغير مشفرة للجار:
يقول الدكتور هاني الجبير – القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة-:
” لا حرج في استخدام شبكات الاتصال اللاسلكية (الوايرلس) المتوفرة بدون أن يكون عليها تأمين –أو منع- لأن ترك شبكة الاتصال بدون تأمين هو في حقيقته إباحة لمن أراد الانتفاع بهذه الشبكة. وهذه الإباحة الضمنية تتيح لمن أراد استعمال الشبكة استعمالها، كما أنّه ليس على صاحب الشبكة ضرر في ذلك.
ولا يقال إنّ ترك الشبكة دون تأمين لا يدل على الإباحة لاحتمال عدم علمه بإمكان التأمين، لأن ذلك مما لا يخفى على مستعملي الاتصال والمشتركين فيه غالبًا، والمظنّة تقوم مقام المئّنة ( أي العلامة).
أمّا الشّبكات المؤمنة فإنه لا يجوز استخدامها، لأنه انتفاع بحق الغير بدون إذنه الصريح ولا الضمني، وهذا لا يسوغ.” انتهى.
في الوقت الذي ذهب فيه فقهاء آخرون إلى التوغل في تصور المسألة، فرأوا مثلا أن كثيرا من المستخدمين لا يحسن تشفير الخدمة، وهذا يتنافى مع الإذن الضمني فضلا عن الصريح، ومن ثم فلا يجوز استخدام الخدمة إلا بإذن خاص منه، وهذا الملحظ كما هو ظاهر مبني على زيادة في تصور المسألة من حيث الواقع وليس مبنيا على اختلاف في التكييف الفقهي.
هل يجب استئذان الجار إذا تم استخدام شبكة الأنترنت الخاصة به:
يقول الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي – عضو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية :
“لا يجوز لك ذلك إلا بإذنه؛ لأن استخدامك لهذه الشبكة وإن لم يزد التكلفة عليه إلا أنه يضعف من سرعة دخوله وتصفحه للانترنت بسبب مزاحمتك له، وعدم التشفير ليس دليلاً على الإذن لأن كثيراً من الناس لا يعرف كيفية وضع حماية تمنع من دخول الآخرين لشبكته، هذا فيما إذا كانت الشبكة خاصة، وأما إذا كنت في الأماكن العامة التي توفر هذه الخدمة لمرتاديها كالمطاعم والأسواق والمطارات فلا بأس بالاستفادة منها”.
ومن التفرقة التي لاحظها بعض الفقهاء هنا مما تتعلق بالتصور أيضا، أن بعضهم ذكر أن عدم التشفير سببه عند كثيرين هو الثقة في تعفف الناس عن استخدام الخدمة طالما أنهم لم يحصلوا على إذن صريح.
هل استخدام شبكة أنترنت الجيران حرام:
يقول الشيخ الدكتور سامي الماجد -القاضي بالمحكمة العامة بالرياض-:
لا يجوز استخدام خدمة الـ ( دي إس إل ) المقدمة من شركة الاتصالات لأحد إلا بإذنه ، وتعليل ذلك بأن هذه الخدمة قد اشتراها الجار لنفسه واستعمال غيره لها بغير إذنه عدواناً على حقوقه ؛ والحقوق أنواع فمنها المادية حيث يؤدي استخدامهما إلى إبطاء التحميل، ولو فتح المجال في ذلك لدخل جميع المجاورين ومن المعلوم أن صاحب الخدمة لا يرضى بذلك ، وأما الحقوق المعنوية التي تضيع على صاحب الخدمة فهي الدخول في المواقع حيث تحسب في جهازه ومن أجهزة الرقابة ومن المخالطين له من الأقارب والأصدقاء ، وكثير من الناس لا يرضى بدخول بعض المواقع وإن كانت إسلامية أو غير مخلة بالآداب، وواحد من هذه الحقوق يكفي للتعليل بتحريم ذلك، فكيف إذا اجتمعت كلها، وأما ترك الخدمة بغير رقم سري ؛ فلا يسوغ استخدامها بغير إذنه كالأبواب على البيوت توضع فتكون مفتوحة فلا يعني ذلك أن صاحبها يُجوز لك دخول بيته ؛ وكثير من الناس يثق في المجاورين فلا يضع رقماً سرياً ؛ فعليه لا يجوز استعمال هذه الخدمة إلا بأذن صاحبها .انتهى.
ونلاحظ هنا أن الشيخ سامي الماجد لم يذكر أن وثوق المستخدم في جيرانه احتمال من الاحتمالات، بل قطع به، وهذا يستفاد من الاحتكاك المباشر بالمنتفعين من هذه الخدمة ، أو من قراءة تقرير مثلا عما يفعلون …وهذا كله من تصور المسألة لا تصويرها.
ما هو الجائز والممنوع في استخدام شبكة الأنترنت الغير مشفرة:
يقدم الشيخ محمد صالح المنجد تصورا إضافيا عن المسألة وصورها ، مما يتيح له أن يفتي بحرمة بعض الصور وإجازة بعضها، يقول :
-إن موضوع هذا السؤال -وهو التقاط الشبكة عبر اشتراكات الآخرين- له صور متعددة, فيوجد في بعض المدن ما يسمى بالشوارع الذكية التي يتم تغطية هذه الشوارع بالشبكة مجانا , وهنا لا إشكال في جواز استعمال الشبكة عن طريق هذه التغطية المجانية المتاحة للجميع , وكذلك إذا علم أن صاحب هذا المبنى قد بذل الاشتراك لجميع من في المبنى وقد تكون هذه ميزة تأجيرية في بعض الأماكن والمباني فلا بأس باستعمالها لمن أعطي هذه الميزة وسمح له بذلك.
-لكن عندما يلتقط أحد الجيران بجهازه البيتي أو جهازه الكفي -قد يكون عند بعض الناس جوال كفي يدخل الى الشبكة عن طريق بطاقة واي فاي WI-FI مثلا- عبر اشتراكات الآخرين ,وقد يلتقط من هذا الجار مرة ,ومن هذا الجار مرة, وهو لا يدري أحيانا من هو صاحب الاشتراك الذي دخل عبره , فإن هذا الدخول قد يترتب عليه تبطئه لعمل الشبكة عند صاحب الاشتراك , أو انقطاع أو أن تتحمل فاتورته مالاً نتيجة تحميل ملفات أو تنزيل ملفات إذا كان اشتراكه عن طريق المحاسبة بوحدات التخزين التنزيل تحميلا وتنزيلا, ولذلك فإن الحكم الشرعي في هذه الحالة أنه لا يجوز استعمال اشتراكات الآخرين إلا بإذنهم لأن رسول الله ﷺ قال: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه))، وكذلك إذا كان في القضية إضرار , وقد أخبرنا بعض المختصين في الولايات المتحدة وغيرها وكما عُرض في هذا البرنامج أيضا , أن الدخول إلى الشبكة عن طريق اشتراكات الآخرين يبطئ مفعول الشبكة لديهم وبالتالي سيتعرضون إلى ضرر، والنبي ﷺ قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) وبالتالي فإنه لا يجوز الدخول إلى الشبكة عبر اشتراكات الآخرين إلا بإذنهم.
-وقد يحدث استعمال لقضية فك الشفرة للدخول عبر اشتراكات الآخرين وهذا انتهاك أيضا لخصوصياتهم ولا يجوز, ولو فرضنا أنه إذا استعمل شبكات الجيران فلن يؤدي إلى تبطئة الاشتراك لديهم ولا إلى الانقطاع لديهم ولا إلى تحميل فاتورتهم مالاً على شيء لم يستخدموه , -لن يحدث هذ كله-، بقيت قضية ما يفوت شركة الاتصالات من الأرباح نتيجة استعمالك أنت لشبكات الآخرين , لأنك إذا لم تستعملها ستضطر إلى الاشتراك عن طريق الشركة فيبقى الأحوط عدم الدخول إلا باشتراك خاص لك , ولو فرضنا أنه لن يتحمل الجار أي مال إضافي ولا ضرر ولن يحدث عنده خلل ولن تنتهك خصوصيته أو تتجسس عليه عبر الدخول على اشتراكه ولن يكون هنالك ضررا أو خسارة أو فوات شيء على شركة الاتصالات.
-لو فرضنا انتفاء كل هذه العوامل فيجوز حينئذ استعمال اشتراكات الجيران في هذه المنفعة التي تجري العادة بالسماح فيها من باب حديث النبي ﷺ ( لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ ) رواه البخاري (2463) ومسلم (1609)
فيجوز للجار أن يضرب خشبة على جدار الجار لأنها لا تضر الجار، ويستفيد منها هو، فلو فرضنا أن لا ضرر في الاستعمال، ولا تحميل أموال ولا فوات أشياء على أصحاب الشركة فحينئذ لا بأس أن تستعمل الشبكة في هذه الحالة. انتهى..
وقد ذكر أهل الاختصاص هنا بعض الملاحظات المهمة التي تفيد في تصور المسألة ومن ثم تصويرها ، منها :
1-أغلب مستخدمي الدي إس إل ممن عندهم شبكات لا سلكية لا يعرفون أصلا أنها مفتوحة و يمكن لغيرهم دخولها ومنهم من لا يعرف كيف يؤمنها ، وإن كانت هذه النسبة من الناس في انخفاض بسبب انتشار الوعي إلا أنهم لا يزالون كثرا، و هذا أجبر الشركات المطورة للمويدمات على وضع أقفال على هذه الشبكات عند تصنيعها فتكون مغلقة بشكل افتراضي و يحصل المستخدم على نسخة من مفتاح الشبكة مع الدليل الذي يباع له مع الموديم.
وهنا تأتي هذه الإلماحة القوية هو أن ترك الخدمة دون تشفير لا يدل على أي نوع من أنواع الإذن، وإنما حدث هذا دون قصد أو علم منه.
2-العقود المبرمة بين شركات توفير خدمات الإنترنت مع زبائنها تختلف كثيرا في كيفية حساب أجر استعمال الشبكة، فهناك عقود يدفع فيها المستخدم ثمنا محددا مقابل ربطه بالنت بسرعة معينة ولا يتم احتساب حجم البيانات التي تمر عبر هذا الخط، وفي هذه الحالة سيتسبب المتطفلون على الشبكات اللاسلكية في اقتسام هذه السرعة مع صاحب الخط ، و من البديهي أن هذا يعني نقصان جودة الاتصال لديه وهذا قد يظهر في شكل تبطئ في التحميل أو ثقلا في عرض صفحات الويب وقد يظهر في انقطاع مكالمات الهاتف أو رداءة الصوت أو في ظهور تقطعات أو بقع على صورة التلفاز إذا كانت القناة المرئية موفرة عبر خط الشبكة.
وهناك عقود يكون فيها الدفع حسب كمية المعلومات التي تمر عبر خط المستخدم و هذه يكون الضرر فيها محققا ، حتى و إن كان المتطفل على الخط يتحرى عدم استخدامه في نفس الوقت مع صاحبه ، و في هذه الحالة سيدفع صاحب الخط من جيبه ثمن البيانات التي مرت عبر شبكته إلى حاسوب المتطفل.
3-تقنية الشبكات اللاسلكية مبنية على تقنية الراديو و هناك استهلاك للطاقة الكهربائية ينجم عن كل اتصال بين محطة إرسال واستقبال الإشارات المدمجة في الموديمات و كل حاسوب متصل بها، و لا شك أن هناك ثمنا يدفعه صاحب الخط في فاتورة الكهرباء مقابل هذا.
4-بإمكان من يدخل على الشبكات اللاسلكية المفتوحة أن يراقب كل البيانات التي تمر عبرها ، و يمكنه التجسس على صاحب الشبكة وإن كان هذا يتطلب تعلم بعض المهارات إلا أنه ليس بمستحيل ، و معلوم ما في هذا من المفسدة بما فيها الإطلاع على عورات البيوت ، و الأدهى من هذا أن التجسس قد يقوم به برنامج فيروسي خبيث على حاسوب الشخص المُتطفل دون علمه .
5-في كثير من دول العالم صارت هناك قوانين تلزم الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت بتخزين كل معلومات اتصالات الزبائن لفترة من الزمن و ذلك لأغراض كثيرة ، منها متابعة منظمات الإجرام و مغتصبي الأطفال و مروجي المخدرات و غيرها من المسائل.