التنازع في العقود مردُّه إلى العرف في الأشياء التي يحكَّم فيها العرف، وعُرفُ الناس قد جعل من السنة الميلادية هو أصل التعامل ـ على الرغم من أن التعامل بالسنة الهجرية هو الأولى ـ فلو لم يحدد أحد أن مدة الإجارة عام هجري كان التعامل على العام الميلادي حتَّى ولو لم ينصّ في العقد على هذا .

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه– أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين -:

يجب أن يعلم أن التاريخ الهجري هو سمة من سـمات الأمة الإسلامية لا يجوز الاستغناء عنه ولا استبداله بالتاريخ الميلادي بشكل تام . ومن المعلوم أن عمر بن الخطاب هو الذي سنَّ فكرة التأريخ من أول محرم ، قال ابن الأثير:
[والصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بوضع التأريخ والسبب في ذلك : أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تأريخ . فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم : أرخ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم : بمهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : بل نؤرخ بمهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ، قال الشعبي : وقال محمد بن سيرين : قام رجل إلى عمر ، فقال : أرخوا ، فقال عمر : ما أرخوا ؟ فقال : شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا ، فقال عمر حسن فأرخوا فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا : من أي الشهور ؟ فقالوا : من رمضان ، ثم قالوا : فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام فأجمعوا عليه ] التشبه المنهي عنه ص 543-544.

إن علماء الأمة قد كرهوا استعمال التقويم الميلادي لما له من ارتباط ديني عند النصارى وهو ميلاد عيسى عليه السلام ولا يجوز التشبه بهم في أمر دينهم ، فالأصل عند المسلمين هو استعمال التقويم الهجري حيث إن هذا التقويم مرتبط بعبادات المسلمين كصوم رمضان والحج والزكاة وغير ذلك. قال القرطبي : تعليقاً على قوله تعالى :( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) سورة التوبة الآية 36 . قال :[ هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام في العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً لأنها مختلفة الأعداد منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص ] تفسير القرطبي 8/133.

والأصل أن نستعمل التقويم الهجري ولا بأس باستعمـال الـتـقويم الميلادي إلى جانبه . ولكن ومع الأسف الشديد تخلى المسلمون بشكل عام عن التقويم الهجري واستعملوا التقويم الميلادي وصار التقويم الميلادي هو المعتمد في كل شؤون الناس تقريباً وفي مختلف شؤون الحياة ومن ضمن ذلك عقود الاستئجار وصار هذا عرفاً عاماً عند الناس فإذا استأجر شخص بيتاً لمدة سنة واحدة على أن يدفع الأجرة في آخرها. فالمعروف عند الناس أنها سنة ميلادية ويجب دفع الأجرة في 31 يناير.

واستعمال التقويم الميلادي بهذه الطريقة واستبعاد التقويم الهجري لا شك أنه أمر محزن .

ومع ذلك فإن عرف الناس باستعمال التقويم الميلادي في معاملاتهم معتبر شرعاً ويجب الالتزام به ما دام لم ينص على غيره والعرف والعادة يجب الالتزام بهما شرعاً . عند عدم مخالفة نص شرعي أو شرط لأحد المتعاقدين.

وقد وضع الفقهاء عدة قواعد فقهية مبنية على اعتبار العرف والعادة منها قاعدة ( العادة محكمة ) أي أن للعادة في نظر الشارع حاكمية تخضع لها أحكام التصرفات فتثبت تلك الأحكام على وفق ما تقضي به العادة أو العرف إذا لم يكن هناك نص شرعي مخالف لتلك العادة . انظر المدخل الفقهي فقرة 604.
ومنها قاعدة ( استعمال الناس حجة يجب العمل بها ) . ومنها قاعدة ( المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً ) ومعنى ذلك إن ما تعارف الناس عليه في معاملاتهم فهو قائم مقام الشرط وإن لم يذكر صراحة في العقد.

وبناء على ما تقدم فلا يجوز شرعاً لمؤجر أن يطالب المستأجر بدفع أجرة الشقة حسب التقويم الهجري لأن العرف العام جار باستعمال التقويم الميلادي وعرف الناس معتبر.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته : والعرف لـه اعتبــار فلذا الحكم عليه قد يدار. انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل ابن عابدين ص112 . ولا يقبل تفسير مالك العمارة للسنة بأنها هجرية مع أن العرف العام يقرر أنها السنة الميلادية فلو فرضنا أن شخصاً أجّر بيتاً لآخر بمائة دينار في الشهر وكانا يسكنان في الضفة الغربية ولم يذكرا أن المقصود بالدينار هو الدينار الأردني فقال صاحب البيت أريد مائة دينار كويتي فنقول له مطالبتك باطلة لأن الدينار في بلادنا إذا أطلق ينصرف إلى الدينار الأردني فقط ولا ينصرف إلى غيره إلا بالنص عليه.

ونقل ابن عابدين عن ابن نجيم قوله :[ أما العادة إنما تعتبر إذا اطردت أو غلبت ولذا قالوا في البيع لو باع بدراهم أو دنانير في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف إلى الأغلب قال في الهداية لأنه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه ] رسالة رسم المفتي ص44 ضمن الجزء الأول من مجموعة رسائل ابن عابدين.

وعليه فلو نصَّ المؤجر على أن مدة الإجارة سنة هجرية فله ذلك وأما مع عدم النص على نوع السنة فإنها تنصرف إلى ما تعارف الناس عليه وهو السنة الميلادية.