يجوز للرجل أن يستعمل الذهب في حالة الضرورة مثل تركيب سن من الذهب أو علاج عضو من أعضاء جسمه لايصلحة إلا الذهب

حكم استعمال الذهب للرجال عند الضرورة:

يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة: ما من إنسان إلا ويَعرض له ما يترتب عليه سقوطُ أسنانه أو تخلخلُها، أو حدوثُ كسر في عظامه، أو ذهابُ أحد أصابعه أو أُنمُلة منها، أو ذَهاب أنفه أو أذنه أو نحو ذلك، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد نظَّمت علاقة الناس بخالقهم فقد نظَّمت علاقتهم في هذه الحياة ببعضهم البعض ووضعت من الأحكام ما يتحقق به صلاحهم، ولم تُغفل جانب التداوي من الأمراض المختلفة، وكان لهذا الجانب أحكامُه ضمنَ ما تناولَته الشريعة من أحكام.

وقد أجمع الفقهاء على جواز اتخاذ الأنف من الذهب أو الفضة إذا احتيج إلى ذلك ولم يكن ثمّةَ معدنٌ آخر أو مادةٌ أخرى مباحة يمكن اتخاذها منها، وذلك لما رُوي عن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عَرفَجة بن أسعد الكنانيّ أصيب أنفه في إحدى الحروب، فاتخَذَ أنفًا من فضة، فأنتَنَ عليه، فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يتخذ أنفًا من ذهب.

كما أجمع الفقهاء على جوازِ اتخاذ السن وإن تعددت من الفضة، أو ربطِهما بشريط متَّخَذ من هذا المعدِن، أو حشو السن، أو اتخاذ أنملة الأصبع منه، أو اتخاذ وصلات العظام أو مثبِّتاتها منه، أو اتخاذ الأُذُن منه.

الأدلة على جواز استعمال الرجال الذهب عند الضرورة:

ويرى جمهور الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومنهم جمهور الفقهاء، جوازَ اتخاذ هذه الأجزاء التعويضية للبدن من الذهب كذلك، لما رُوي عن ابن عمر أن أباه سقطت ثَنِيَّته فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يشدها بذهب.
وما رُوي عن عبد الله بن أُبَيّ ابن سَلُولَ قال: اندقَّت ثنيَّتي يوم أحُد فأمرني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أتخذ ثنية من ذهب.
ولما رُوي عن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: رأيت موسى بن طلحة بن عبد الله قد شد أسنانه بذهب.
ورُوي عن عثمان بن عفان أنه كان يشد أسنانه بالذهب، وفي رواية أنه ضبَّب أسنانه بذهب؛ أي وضع فيها مثل الحشو من الذهب.
ورُوي عن سعدان قال: رأيت أنس بن مالك وقد شد أسنانه بذهب، ولأنه إذا جاز اتخاذُ الأنف من الذهب بالسنة المطهرة فيجوز اتخاذ الوصلات والأجزاء التعويضية من الذهب قياسًا على اتخاذ الأنف منه؛ لاتحادها معه في المعنى، ولأن من احتاج هذه الوصلات والأجزاء التعويضية في بدنه له أن يتخذها من الفضة باتفاق الفقهاء، فله أن يتخذها كذلك من الذهب، لأن كلاًّ من المَعدِنَين في حرمة الاستعمال على السواء، ولكن يبنغي أن يقيَّد استعمال هذه الوصلات أو الأجزاء التعويضية من هذين المَعدِنَين بحاجة الإنسان إلى اتخاذها منهما، بمعنى ألاّ يوجدَ مَعدِنٌ آخرُ مباحٌ أو مادة مباحة يمكن اتخاذ هذه الأجزاء منها.

وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء تفيد جواز اتخاذ الأجزاء السابقة من الذهب والفضة، والبلاتين كذلك إذا دعت إليه الضرورة، ومما جاء في هذه الفتوى:
“استعمال الذهب والفضة والبلاتين ونحو ذلك في حشو الأنسان والأضراس أو غطائه، جائز للضرورة، لحديث عَرفَجة الكنانيّ… ولما رُوي أن كثيرًا من الأئمة قد شد أسنانه بالذهب. وقد جاء في بعض كتب الحنفية: إذا جُدع أنفه أو أذنه أو سقَط سنُّه، فأراد أن يتخذ سنًّا أخرى، فعند أبي حنيفة يتخذ ذلك من الفضة، وعند محمد يتخذ ذلك من الذهب أيضًا.
فقد أبيح من الذهب والفضة ما دعت إليه الضرورة، بل حكى ابن قدامة عن أصحاب أحمد بن حنبل إباحة يسير الذهب، ويقاس الذهب على الفضة. فالحشو والغطاء والسلك من الذهب أو الفضة جائز، سواء أخذنا بما رُوي عن أصحاب أحمد من إباحة اليسير منهما أو بما رُوي عن محمد صاحب أبي حنيفة، أو أخذنا بجهة الضرورة المبيحة لاستعمالها. والبلاتين ونحوه من المعادن غير الذهب والفضة لم يَرِدْ فيها ما يمنع جواز استعمالها”.