يجوز للزوجة أن تتخذ من وسائل منع الحمل ما يناسبها إذا دعت إلى ذلك ضرورة أو حاجة، ولكن لا يجوز لها أن تقوم باستخدام وسيلة تؤدي إلى قطع الإنجاب نهائيا إلا إذا كانت ضرورة شرعية تدعو إلى ذلك.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
لا يجوز شرعاً استئصال القدرة على الإنجاب مطلقاً سواء كان عند الرجل أو المرأة إلا في حالات الضرورة التي يقدرها أهل العلم الثقات من الفقهاء والأطباء، فلا يجوز إجراء عمليات التعقيم ولا ربط قناتي الرحم أو استعمال أي وسيلة تؤدي إلى ذلك .
ومنع الحمل الدائم من الأمور المحرمة شرعاً كما قلت ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) سورة النساء الآيات 117-119 .
قال أهل التفسير إن تغيير خلق الله من تزيين الشيطان ويدخل في ذلك خصاء بني آدم لأنه تغيير لخلق الله.
قال القرطبي: [وأما الخصاء في الآدمي فمصيبة فإنه إذا خصي بطل قلبه وقوته عكس الحيوان وانقطع نسله المأمور به ثم هذه مثلة -أي فيها تنكيل- وقد نهى النبي ﷺ عن المثلة ] تفسير القرطبي 5/391.
وروى البخاري ومسلم عن إسماعيل بن قيس قال عبد الله – ابن مسعود – :( كنا نغزو مع رسول الله ﷺ ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ).
وروى البخاري ومسلم أيضاً عن سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه رسول الله ﷺ ولو أجاز ذلك لاختصينا).
قال الإمام النووي: [الاختصاء في الآدمي حرام صغيراً كان أو كبيراً] شرح النووي على صحيح مسلم 3/526.
وقال الحافظ ابن حجر :[ وقوله ( فنهانا عن ذلك ) هو نهي تحريم بلا خلاف في بني آدم ] فتح الباري 12/19-20.
وينبغي أن يعلم أن الوسائل الحديثة لمنع الحمل منعاً نهائياً تقوم مقام الخصاء في الرجل فهي تستأصل القدرة على الإنجاب نهائياً كما أنها تغيير لخلق الله لذلك فإنها تلحق بالخصاء فتكون محرمة.
وقد بحث الفقهاء المعاصرون هذه القضية وقرروا حرمة قطع المقدرة على الإنجاب فقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العلم الإسلامي ما يلي: [نظراً إلى أن الشريعة الإسلامية تحض على تكثير نسل المسلمين وانتشاره، وتعتبر النسل نعمة كبرى، ومنة عظيمة منَّ الله بها على عباده، وقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ودلت على أن القول بتحديد النسل، أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الله تعالى لعباده.
ونظراً إلى أن دعاة القول بتحديد النسل، أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين لتقليل عددهم بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة، والشعوب المستضعفة بصفة خاصة حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد، واستعباد أهلها والتمتع بثروات البلاد الإسلامية، وحيث إن في الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية، وسوء ظن بالله تعالى، وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها .
لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر بالإجماع:
أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى “هو الرزاق ذو القوة المتين”، “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها”، أو كان ذلك لأسباب أخرى غير معتبرة شرعياً.
أما تعاطي أسباب منع الحمل أو تأخيره في حالات فردية لضرر محقق ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين فإنه لا مانع من ذلك شرعاً وهكذا إذا كان تأخيره لأسباب أخرى شرعية أو صحية يقرها طبيب مسلم ثقة، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرر المحقق على أمه إذا كان يخشى على حياتها منه بتقرير من يوثق به من الأطباء المسلمين.
أما الدعوة إلى تحديد النسل، أو منع الحمل بصفة عامة، فلا تجوز شرعاً للأسباب المتقدم ذكرها، وأشد من ذلك في الإثم، والمنع إلزام الشعوب بذلك وفرضه عليها في الوقت الذي تنفق فيه الأموال الضخمة على سباق التسلح العلمي للسيطرة والتدمير بدلاً من إنفاقه في التنمية الاقتصادية والتعمير وحاجات الشعوب ] قرارات المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي ص 62-63 .
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: [يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية .
ويجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم ] مجلة المجمع الفقهي العدد 5 جزء1 ص748.
وأخيراً فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبة صادقة وأن يستغفر ويكثر من عمل الخيرات والطاعات لعل الله سبحانه وتعالى أن يغفر له كما وأننا نذكر الأطباء أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وألا يبيعوا آخرتهم من أجل دراهم معدودة يقبضونها أجرة لأمثال هذه العمليات وهذه المعالجات المحرمة .