من أسباب قوة المؤمن ، أنه يؤمن إيمانا تاما بأن رزقه لن يأخذه غيره ، فلن يزيد أو ينقص عن الذي حدده الله تعالى له لذا عليه أن يسعى ليأخذه ، وأن يوقن يقينا جازما بأن أجله لن يتأخر لحظة واحدة وكذلك لن يستقدم.

الرزق والإيمان:

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:

ارتباط الرزق والأجل بالإيمان داخل في الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر أن يؤمن الإنسان أن كل شيء في هذا الكون قد قدره الله –عز وجل- فلا يقع غير ما قدره، يقول رسول الله – – : “ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك” .

والإيمان يشمل أشياء كثيرة من أهمها الأرزاق والآجال، فالرزق مقسوم والأجل محتوم، لا يمكن أن يزيد أحد في رزقك ولا أن ينقص منه، ولا يمكن أن يؤخر أحد في أجلك أو يقدم منه .

وقد أعطى هذا الشمول قوة للإنسان المؤمن ، فلا يخش شيئا إلا الله تعالى، وخوف كثير من الناس على أرزاقهم يصنع الجبن والخوف، والمؤمن الحقيقي إذا آمن بأن رزقه سيأتيه – بأسبابه – فالإيمان يعطيه قوة، وهذا ما جعل الإنسان المسلم –قديماً- يخوض المعارك ولا يبالي، ويقول عن أولاده : ما علينا إلاّ أن نجاهد في سبيله كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا، وتقول زوجته لمن يريد تثبيطها : إن أبا فلان –يعني زوجها – منذ تزوجته وعرفته، عرفته أكَّالاً وما عرفته رزَّاقاً، فلئن ذهب الأكَّال لقد بقي الرزَّاق.

وعن عملية الإيمان بالأجل وإنه محتوم ولا يزيد ولا ينقص، ولا يتقدم ولا يتأخر يقول تعالى : {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} فلا يموت أحدا قبل موعده ، وهذا أعطى المؤمنين قوة – ولا زال يعطيهم – إلى اليوم هذه القوة الروحية الهائلة. أ . هـ

الآيات الدالة على الرزق وأنه بيد الله وحده:

-قال تعالى في تكفله بالرزق : ” إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ” ، وقال تعالى : ” وفي السماء رزقكم وما توعدون ” .
فكل هذه الآيات والأحاديث تبين أن المؤمن قد اطمأن إلى أخطر شيئين ممكن أن يثنياه عن طريقه لله تعالى وهما الرزق والأجل .

-قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [العنكبوت: 60 – 62].

– قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الروم: 37].

-قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40].

-قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 24].

-قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 36].

-قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].

-قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].

-قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الزمر: 52].

-قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ﴾ [غافر: 13].

-قال تعالى: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 12].

الأحاديث الدالة على الرزق:

قال – رسول الله – :” إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته”.

– روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله يقول: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، قال: وعرشه على الماء.

– روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله وهو الصادق المصدوق: “إن أحدَكم يُجمَع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملَكًا فيؤمر بأربع كلماتٍ، ويقال له: اكتُبْ عمله ورزقه وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة”.

– روى أبو نعيم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : “إن رُوح القدس (أي جبريل) نفَث (ألقى) في رُوعي (قلبي) أن نفسًا لن تموتَ حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فأجملوا في الطلبِ، ولا يحملَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصيةٍ؛ فإن اللهَ لا ينال ما عنده إلا بطاعته”؛ صحيح الجامع للألباني .

– روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي قال: “إن الرِّزقَ ليطلُب العبدَ أكثرَ مما يطلبه أجله”صحيح الجامع للألباني.

-روى الحاكم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن رسول الله قال: “لا تستبطئوا الرزقَ؛ فإنه لم يكن عبد ليموتَ حتى يبلغه آخرُ رزقٍ هو له؛ فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب: أخذ الحلال، وترك الحرام”؛ صحيح الجامع -للألباني.