الحديث في النهي عن سب الأموات،والأمر بذكرهم بخير:صحيح.وقد ورد بصيغ شتى متضمنًا أحيانًا العلة في النهي عن السب.
فقد ورد بصيغة “لا تسبوا الأموات فانهم أفضوا إلى ما قدموا” .
وورد بصيغة:”لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء” .
وورد بصيغة:”لا تذكروا هلكاكم إلا بخير” .
وورد بصيغة “اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم” .
لماذا نهى النبي عن سب الأموات
هدف هذا النهي عدة أمور تربوية يحرص عليها الإسلام في تكوين شخصية المسلم:
أولاً: تعويد المسلم نظافة اللسان وعفة القول،اقتداء بالرسول الكريم،الذي لم يكن سبابا ولا لعانا،وإنما يكب الناس في النار على وجوههم حصائد ألسنتهم.
ثانيًا: تربية المسلم على المعاني الإيجابية،كما قيل:بدل أن تسب الظلام أضئ شمعة!ولذا جاء عدد من الأحاديث ينهى عن سب جملة من الأشياء:”لا تسبوا الدهر” “لا تسبوا الحمى” “لا تسبوا الريح” لا تسبوا الديك” إلخ.. بل وورد التنفير عن سب الشيطان نفسه،لأنك إذا قلت”تعس الشيطان انتفخ،وإذا قلت:بسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب.وفي هذا الإطار جاء النهي عن سب الأموات.
ثالثًا: إن الإسلام حفظ حرمة المسلم حيا وميتا،وكل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله.وكما يحرم تناول عرض الإنسان وسمعته بسوء في حياته،يحرم ذلك بعد مماته.
رابعًا: إن الميت قد انتقل من دار العمل والابتلاء،إلى دار الحساب والجزاء،وسيلقى جزاءه العادل في تلك الدار لا محالة،ولا يضيع عند الله مثقال ذرة من خير أو شر،وقد أشار إلى ذلك الحديث القائل:”لا تسبوا الموتى فإنهم أفضوا إلى ما قدموا”.
خامسًا: إن الإسلام حريص على توثيق عرا الود وحسن الصلة بين الناس،ومنع أسباب التباغض والتشاحن بينهم،فإن البغضاء هي الحالقة،حالقة الدين لا حالقة الشعر.وكثيرا ما يؤدي سب الأموات إلى إيذاء وإيغار صدورهم،الأحياء من أبناء وأقارب.
في العهد النبوي أسلم كثير من أبناء عتاة المشركين،فإذا سبّوا أذى أبناءهم،فمن سب أبا جهل أذى ابنه عكرمة،ومن سب الوليد بن المغيرة أذى ابنه خالدا،ومن سب عتبة بن ربيعة أذى ابنه أبا حذيفة..إلخ..ولذا قال الحديث:”لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء”.
فهذه أسباب منع سب الموتى.
حكم سب الفساق والكفار بعد هلاكهم
هنا ذكر العلماء أن سب الأموات لضرورة أو مصلحة شرعية،كالتحذير من بدعهم وضلالاتهم،حتى لا يقتدي الناس بهم،وكجرح الرواة ـ في علوم الحديث ـ لابتناء أحكام الشرع على ما يروونه،فلزم بيان حالهم،والتعريف بهم،حتى لا يأخذ الناس دينهم إلا عن العدل الثقة.وقد أجمع بما فيه حيا وميتا .
وقد أخبر النبي ﷺ عن بعض من حضر معه بعض الغزوات،وقتل في المعركة،وقد غل من الغنيمة شيئا لا يستحقه قبل موته:”إني أرى الشملة التي غلها تشتعل عليه نارا”.قال ذلك عليه الصلاة ليحذر أصحابه أن يعملوا مثل عمله.
فالأصل هو منع السب عن الموتى،والجواز إنما هو استثناء لمصلحة شرعية أو ضرورة تقدر بقدرها.