روى القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : “أنَّهُ كانَ لَهَا ثَوْبٌ فيه تَصَاوِيرُ، مَمْدُودٌ إلى سَهْوَةٍ، فَكانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَيْهِ فَقالَ: أَخِّرِيهِ عَنِّي قالَتْ: فأخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ” .
وفي رواية عند غير مسلم : « أخريه عني , فإن تصاويره تعرض لي في صلاتي ».
فهذا كله من زيادة الترفه والتنعم , وهو من وادي الكراهية , لا من وادي التحريم . ولكن النووي قال : هذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذ ما فيه صورة , فلهذا كان يدخل ويراه ولا ينكره .
ومعنى هذا : أنه يرى الأحاديث التي ظاهرها التحريم ناسخة لهذا الحديث وما في معناه . ولكن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال .
فإثبات مثل هذا النسخ يستلزم أمرين :
أولهما : التحقق من تعارض النصين, بحيث لا يمكن الجمع بينهما . مع أن الجمع ممكن بحمل أحاديث التحريم على قصد مضاهاة خلق الله , أو بقصرها على المجسم ( أي ما له ظل ).
ثانيهما : معرفة المتأخر من النصين . ولا دليل على أن التحريم هو المتأخر , بل الذي رآه الإمام الطحاوي في « مشكل الآثار » هو العكس , فقد شدد الإسلام في شأن الصور في أول الأمر , لقرب عهده بالوثنية , ثم رخص في المسطحات من الصور . أي ما كان رقماً في ثوب , ونحوه .
وقد روى هذا الحديث عن عائشة بصيغة أخرى , تدل على شدة الكراهية من النبي ﷺ .
فعن عائشة : أنها اشترت تمرقة ( وسادة صغيرة ) فيها تصاوير , فلما رآها رسول الله ﷺ , قام على الباب , فلم يدخل , فعرفت في وجهه الكراهية , قالت : فقلت : يا رسول الله , أتوب إلى الله , وإلى رسوله , ما أذنبت ؟ فقال : « ما بال هذه النمرقة » قلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها . فقال رسول الله ﷺ : « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة , ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم » .
وقال : « إن البيت الذي فيه الصورة لا تدخله الملائكة » ( متفق عليه ) .