جمهور الفقهاء ( الحنفية والحنابلة وقول عند الشافعية) على أن المعذور كصاحب السلس لا تصح صلاته إماما بغيره من الأصحاء ، وكان عليهم أن يقدموا دليلا على ذلك ، ولكنهم لم يقدموا دليلا على ذلك ، بل عللوه بأن المأموم لا يجوز أن يكون أعلى حالا من الإمام ، وهذا ليس شيئا.
ولذلك كان الراجح جواز إمامة المعذور بالأصحاء، وهو مذهب المالكية، والقول الصحيح عند الشافعية ، وهو ما رجحه العلامة الشوكاني، والشيخ الألباني، والشيخ ابن العثيمين رحمهم الله جميعا.
قال الشيخ الألباني في كتابه تمام المنة تعليقا على حكاية الشيخ سيد سابق عدم صحة صلاة الصحيح خلف المعذور عند جمهور العلماء :-
لا وجه للكراهة بله عدم الصحة إذا توفرت فيه شروط الأحق بالإمامة، ولا نرى فرقا بينه وبين الأعمى الذي لا يمكنه الاحتراز من البول احتراز البصير والقاعد العاجز عن القيام وهو ركن ؛لأن كلا منهما قد فعل ما يستطيع و ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ).انتهى.
وقال الشوكاني في السيل الجرار:-
الدليل على من منع صلاة الصحيح خلف المعذور – يقصد عليه أن يأتي بدليل للمنع- ؛لأن الأصل الصحة …….وأما ناقص الطهارة فلا دليل يدل على المنع أصلا فيصح أن يؤم المتيمم متوضئا ومن ترك غسل بعض أعضاء وضوئه لعذر بغيره ونحوهما، ولا يحتاج إلى الاستدلال بحديث عمرو بن العاص في صلاته بأصحابه بالتيمم وهو جنب فإن الدليل على المانع كما عرفت ،والأصل الصحة.انتهى.
ومعنى ذلك أن العلامة الشوكاني يرى أن صحة إمامة المعذور بكل الناس مما لا يحتاج إلى تدليل؛ لان الأصل أن من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره إلا ما ورد الدليل باستثنائه، مع أن في السنة أدلة تؤيد صحة صلاة المعذور، من ذلك ما أخرجه أبو داود وغيره أن عمرو بن العاص قال: ” احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال : ( يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ ) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن اله كان بكم رحيما ( [ النساء / 29 ] فضحك رسول الله ﷺ ولم يقل شيئا .” والحديث صححه الشيخ الألباني. فقد ﷺ عمرو بن العاص، وهو معذور بالأصحاء.انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في “الشرح الممتع”
“وصلاتُه- يعني المصاب بالسلس- مأموماً بإمامٍ سليمٍ مِن هذا المرضِ صحيحةٌ، وصلاتُه إماماً بمصابٍ بهذا المرضِ صحيحةٌ، هاتان صورتان.
الصورةُ الثالثةُ: صلاتُه إماماً بمَن هو سليمٌ مِنهذا المرضِ فمفهومُ كلامِ المؤلِّفِ؛ أنَّها لا تصحُّ، فإذا صَلَّى مَنْ به سلسُ البولِ إماماً بمَن هو سالمٌ مِن هذا المرضِ، فصلاةُ المأمومِ باطلةٌ وصلاةُ هذا أيضاً باطلةٌ؛ لأنَّه نَوى الإِمامةَ بمَن لا يصحُّ ائتمامُه به إلا أنْ يكون جاهلاً بحاله.
والعلَّةُ في عدمِ صحَّةِ إمامتِه: أنَّ حالَ مَن به سَلسُ البولِ دون حالِ مَن سَلِمَ منه، ولا يمكن أن يكون المأمومُ أعلى حالاً مِن الإِمامِ.
والقول الصحيحُ في هذا: أن إمامةَ مَن به سَلَسُ البولِ صحيحةٌ بمثْلِهِ وبصحيحٍ سليمٍ.
ودليلُ ذلك: عمومُ قولِه ﷺ: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» وهذا الرَّجلُ صلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّه فَعَلَ ما يجب عليه، وإذا كانت صلاتُه صحيحةٌ لزمَ مِن ذلك صحَّةُ إمامتِه.
وقولهم: إنَّ المأمومَ لا يكون أعلى حالاً مِن الإِمام مُنتقضٌ بصحَّةِ صلاةِ المتوضئِ خلفَ المُتَيمِّمِ، وهم يقولون بذلك مع أنَّ المتوضئَ أعلى حالاً، لكن قالوا: إنَّ المتيمِّمَ طهارتُه صحيحةٌ. ونقول: ومَن به سَلَسُ البولِ طهارتُه أيضاً صحيحةٌ.”