ليس للآباء الحق في إكراه بناتهم على الزواج ممن يكرهنه، وهو الموافق لحكم رسول الله ـ ﷺ ـ وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته ، فالزواج يقوم على التراضي بين الزوجين ، وإلا كان الزواج باطلاً .
يقول الأستاذ الدكتور محمد بكر إسماعيل :
ننصح الفتاة المسلمة أن تصر على موقفها ما دمت نافرة من الرجل الذي يتقدم لها؛ لأن الحياة الزوجية تقوم على الألفة والمودة والمعروف “والأرواحُ جنودٌ مُجَنَّدَةٌ ما تَعَارفَ منها ائتلف، وما تناكرَ منها اختلف” كما جاء في الحديث الصحيح، والتعارف هو القَبول والتَّلاقي في الفهم ووجهات النظر والسكون النفسي والجنسي.
وحيث لم يحدث شيء من هذا يكون زواجها منه عقوبة لها على ذنب لم تقترفه.
وزواج كهذا محكوم عليه بالفشل قبل إتمامه، وإن تم هذا الزواج، وقَصَّرْت في حق من حقوق زوجها يكون الإثم عليها وعلى أبيها أيضًا.
ولكي تتلاشي عقوق أبيها يجب أن يكون رفضها الزواجَ من هذا الرجل بأسلوب هادئ يخلو تمامًا من العنف وإظهار التبرم مع استخدام الحيلة في إقناعه والاستعانة بأقرب المقربين إليه.
فإن أبى إلا أن يُتَمِّمَ الزواجَ فأمرك بيدك ومعصيته في هذه الحالة لا تُعد عقوقًا لأنه زواج مبني على الإكراه، والإكراه في الزواج يجعله باطلاً عند أكثر الفقهاء.
فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود في سننه وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن جارية (الجارية: هي الفتاة الصغيرة) بكرًا أتت رسول الله ـ ﷺ ـ فذكرت أن أباها زَوَّجَها وهي كارهة فخَيَّرها النبي ﷺ.
وروى ابن ماجة في سننه بإسناد صحيح عن عبد الله بن بُرَيْدة عن أبيه قال: “جاءت فتاة إلى رسول الله ـ ﷺ ـ فقالت: إن أبي زَوَّجني ابنَ أخيه ليرفعَ بي خسيستَه (أي ليزداد بزواجي رِفْعة بين الناس) قال: فجعل الأمرَ إليها، فقالت: قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكني أردتُ أن أعْلِمَ النساءَ أنْ ليس إلى الآباء من الأمر من شيء.
ومن هنا نعلم أنه ليس للآباء الحق في إكراه بناتهم على الزواج ممن يكرهنه، وهو الموافق لحكم رسول الله ـ ﷺ ـ وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته.
والفتاة العاقلة الرشيدة أعْرَفُ بمصالحها من أبيها؛ لأن لها في الرجال نظرة تختلف عن نظرته، فهي تريد منه أكثر بكثير مما يريده هو منها، فهي ستكون له لباسًا، وسيكون لها ضجيعًا وسَكَنًا، فكيف تعاشره معاشرة طيبة، وتؤدي له حقوقه الزوجية كما ينبغي وهي لا تحبه ولا تميل إليه ولا ترتضيه؟
والزواج يقوم على التراضي بين الزوجين وهو المُسَمَّى عند الفقهاء بالإيجاب والقبول.
فعلى الآباء ألا ينفردوا بهذا الأمر دون البنات حتى لا يقعَ الزواج باطلاً فيَحْمِلوا من الأوزار بسبب ذلك ما لا يعلم جُرْمَه إلا الله.