قال الله تعالى : (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ).
‏ ‏روي عن جابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبيّ, وكانت له جاريتان إحداهما تسمى معاذة والأخرى مسيكة, وكان يكرههما على الزنى ويضربهما عليه ابتغاء الأجر وكسب الولد; فشكتا ذلك إلى النبي فنزلت الآية فيه وفيمن فعل فعله من المنافقين.
ومعاذة هذه أم خولة التي جادلت النبي في زوجها.

وفي صحيح مسلم عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبيّ يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يكرههما على الزنى, فشكتا ذلك إلى النبي فأنزل الله عز وجل (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء – إلى قوله – غفور رحيم).
“إن أردن تحصنًا” راجع إلى الفتيات, وذلك أن الفتاة إذا أرادت التحصن فحينئذ يمكن ويتصور أن يكون السيد مكرهًا, ويمكن أن ينهى عن الإكراه.

وإذا كانت الفتاة لا تريد التحصن فلا يتصور أن يقال للسيد لا تكرهها; لأن الإكراه لا يتصور فيها وهي مريدة للزني.
فهذا أمر في سادة وفتيات حالهم هذه.
وإلى هذا المعنى أشار ابن العربي فقال: إنما ذكر الله تعالى إرادة التحصن من المرأة لأن ذلك هو الذي يصور الإكراه; فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى لم يتصور إكراه, فحصلوه.

وذهب هذا النظر عن كثير من المفسرين; فقال بعضهم قوله: “إن أردن تحصنًا” راجع إلى الأيامى, قال الزجاج والحسين بن الفضل: في الكلام تقديم وتأخير; أي وأنكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم إن أردن تحصنًا.
وقال بعضهم: هذا الشرط في قوله: “إن أردن” ملغى, ونحو ذلك مما يضعف.
‏(‏لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أي الشيء الذي تكسبه الأمة بفرجها والولد يسترق فيباع.
وقيل: كان الزاني يفتدي ولده من المزني بها بمائة من الإبل يدفعها إلى سيدها.
‏(‏وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ‏
“ومن يكرهن” أي يقهرهن.
“فإن الله من بعد إكراههن غفور” لهن “رحيم” بهن.
وقرأ ابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن جبير “لهن غفور” بزيادة لهن.
انتهى مختصرًا من تفسيرالقرطبي.

والخلاصة أن الآية نزلت فيمن كان يكره الجواري على الزنى ابتغاء الأجر ،أو الفدية من والد الأب إذا ولد كي لا يكون ابنه عبدًا،مع رفض الإماء الصالحات ذلك ،فإن أكرهن على ذلك فإن الله سيغفر لهن ،لقيامهن بالعمل رغمًا عنهن،ولعلمه سبحانه بما في قلوبهن،ورغبتهن في العفاف.