أجاز الفقهاء إعطاء الفاسق من الزكاة ما دام باقيًا على أصل الإسلام، استصلاحًا لحاله، واحترامًا لآدميته، ولأنها تؤخذ منه فيجوز أن ترد عليه، فيدخل في عموم الحديث: “تؤخذ من أغنيائهم فتُرَد على فقرائهم” (انظر البحر الزخار: 186/2) وهذا ما لم يأخذ هذه الزكاة للاستعانة بها على فسقه ومعصيته. كأن يشتري بها خمرًا، أو يقضي بها وطرًا محرمًا؛ لأنه لا يُعان بمال الله على معصية الله. ويكفي في ذلك غلبة الظن. ولهذا قال بعض المالكية: لا يجزئ دفع الزكاة لأهل المعاصي إن ظن أنهم يصرفونها فيها وإلا جاز الإعطاء لهم (انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 492/1).

والراجح أن الفاسق الذي لا يؤذي المسلمين بفسقه، ولا يتحداهم بفجوره ومعاصيه، لا بأس بإعطائه من الزكاة، وإن كان الصالحون والمستقيمون أولى بالإجماع.

وأما الفاجر المستهتر، المتبجح بإباحيته، المجاهر بفسقه، فلا ينبغي أن يعطى من مال الزكاة حتى يقلع عن غيه، ويعلن توبته. فإن أوثق عرا الإيمان: الحب في الله والبغض في الله (معنى حديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان ورمز له السيوطي بالحسن في الجامع الصغير)، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة: 71).

ومن مقتضى ذلك ألا يمد المجتمع المسلم يد المعونة إليه وهو ينخر عظامه بمعاصيه. ويعالنه بمآثمه، ويتحدى شعوره العام. ولا يقال: إن في هذا قسوة على أهل الفسق والمعصية، وتعريضهم لأن يهلكوا جوعًا في مجتمع مسلم، وقد جاء الإسلام بالسماحة والرحمة والعفو والصفح، فإن الصفح والعفو إنما يجوز في الإساءة الشخصية. أما من أساء إلى المجتمع كله، وإلى الدين وأهله، فلا ينبغي أن يعفى عنه، ولا يملك أحد العفو عنه. وإنما يستحق الرحمة من رحم نفسه. وهو يملك ذلك بالتوبة، فأما إذا استمرأ المعصية، وأصر على طاعة الشيطان، وركوب الضلال، والاستخفاف بالمجتمع وقيمه ومُثُله، فليمت جوعًا ولا كرامة. ومن أهان نفسه لا يُكرم. ومن لا يرحمها لا يرحم.

وكيف يستحق الرحمة والمعونة إنسان يؤثر أن يهلك جوعًا وعريًا. على أن يصلي، أو يصوم، أو يدع الخمر والقمار؟ أو على الأقل بعض ذلك، ويعزم عليه.

ولكن إذا كان لهذا الفاسق المجاهر أسرة يعولها، فيجب أن تُعطى من الزكاة، ولا تؤخذ بذنبه. كما قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى) (الأنعام: 164).

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن إعطاء الزكاة لأهل البدع أو لمن لا يصلي، فقال:
“ينبغي للإنسان أن يتحرى بها المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم. من أهل الدين، المتبعين للشريعة، فمن أظهر بدعة أو فجورًا، فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره، والاستتابة، فكيف يُعان على ذلك” ؟ (مجموع فتاوى ابن تيمية: 87/25).

وفي تاركي الصلاة قال: “ومن لم يكن مصليًا أمر بالصلاة، فإن قال: أنا أصلي، أعطي، وإلا لم يُعط” (المرجع السابق ص 89).
يعني أنه إذا أظهر توبة، ووعد بأن يصلي، صُدِّق في ذلك وأعطي.

وفي “الاختيارات” قال شيخ الإسلام: “لا ينبغي أن تُعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله؛ فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين (كالعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله) فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطى شيئًا حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة” (الاختيارات ص 61).

يقول السيد رشيد رضا:
ونختم هذه المسألة بكلمة السيد رشيد رضا في هذا الموضوع. قال في التفسير (الجزء العاشر ص 596 – 597):
من المعلوم بالاختبار أنه قد كثر الإلحاد والزندقة في الأمصار التي أفسد التفرنج تربيتها الإسلامية وتعليم مدارسها. ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن المرتد عن الإسلام شر من الكافر الأصلي، فلا يجوز أن يعطى شيئًا من الزكاة، ولا من صدقة التطوع. وأما الكافر الأصلي غير الحربي فيجوز أن يعطى من صدقة التطوع دون الزكاة المفروضة (أي على رأي الجمهور).

“والملاحدة في أمثال هذه الأمصار أصناف: منهم من يجاهر بالكفر بالله إما بالتعطيل وإنكار وجود الخالق، وإما بالشرك بعبادته. ومنهم من يجاهر بإنكار الوحي وبعثة الرسل أو بالطعن في النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في القرآن أو في البعث والجزاء. ومنهم من يدعي الإسلام ولكنه يستحل شرب الخمر والزنا وترك الصلاة وغيره من أركان الإسلام، فلا يصلي ولا يزكي ولا يصوم ولا يحج البيت الحرام مع الاستطاعة، وهؤلاء لا اعتداد بإسلامهم الجغرافي، فلا يجوز إعطاء الزكاة لأحد ممن ذكر، بل يجب على المزكي أن يتحرى بزكاته من يثق بصحة عقيدتهم الإسلامية، وادعائهم للأمر والنهي القطعيين في الدين، ولا يشترط في هؤلاء عدم اقتراف شيء من الذنوب فإن المسلم قد يذنب ولكنه يتوب. ومن أصول أهل السنة أنهم لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بذنب ولا ببدعة عملية أو اعتقادية هو فيها متأول لا جاحد للنص.

وإن الفرق عظيم بين المسلم المذعن لأمر الله ونهيه إذا أذنب والمستحل لترك الفرائض واقتراف الفواحش، فهو يصر عليها بدون شعور ما بأنه مكلف من الله بشيء، ولا بأنه قد عصاه، وأنه يجب عليه أن يتوب إليه ويستغفره.

“ولا ينبغي إعطاء الزكاة لمن يشك المسلم في إسلامه. وما أدري ما يقول فيمن يراهم بعينه في المقاهي والحانات والملاهي يدخنون أو يسكرون في نهار رمضان حتى في وقت صلاة الجمعة، وربما كان الملهى تجاه مسجد من مساجد الجمعة؟ أيُعَد هؤلاء من المسلمين المذنبين؟ أم من الملاحدة الإباحيين؟ مهما يكن ظنه فيهم فلا يعطهم من زكاة ماله شيئًا بل يتحرى بها من يثق بدينه وصلاحه إلا إذا علم أن في إعطاء الفاسق استصلاحًا له فيكون من المؤلفة قلوبهم“.

وبناء على أقوال العلماء السابقة لايجوز إعطاء الزكاة لمن يصر على المعصية لأن في ذلك عونا له علي المعصية ولكن لو كان له أولاد أوزوجة فقراء معدمون فيعطى لهم هم هذا المال لأنهم لاذنب لهم فيما يفعل.