روى مسلم وأحمد من حديث ابن مسعود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قَرِينُه من الجن وقرينُه من الملائكة” قالوا: وإيَّاك؟ قال: “وإيَّايَ إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير”.

يقول الزُّرْقاني في شرح المواهب”ج5 ص 280″ معلوم عصمة الملائكة وإيمانهم، فإنما المراد الإخبار بمصاحبة المَلَكِ والجِنِّيِّ لكل أحد، فالجن يُغْوِي بخلاف الملائكة، فقول البعض: إسلام قرينه من الملائكة والشياطين لا معنى له بالنسبة للملائكة، ولا دِلالة في الحديث عليه، اللهمَّ إلا أن يُريد بالإسلام ملكه وانقياده التام له، وفيه ما فيه. وجاء في رواية البزَّار عن ابن عباس أن الشيطان كان كافرًا فأسلم، أي أسلم الشيطان الكافر، وحديث ابن مسعود رُوِي بفتح الميم، وضمها، أي فأسلمُ أنا من فتنته وكيده، وصحَّح الخطابي رواية الرَّفع، ورجَّح عِيَاض والنَّووي الفتح، لقوله “فلا يأمرني إلا بخير”. قال الدميري: وهو المختار.

والإجماع على عِصْمَة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِنَ الشيطان، وإنما المُراد تحذيرُ غيره من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعْلَمَنَا أنه معنا لنحْترز منه بحسب الإمكان. انتهى. وقال غيره: اعترضت رواية الضم ـ فأسلمُ ـ بأنه تعوَّذ منه بقوله ” أعوذ بك أن يتخبَّطني الشيطان عند الموت، أي يَصْرَعُني ويلعب بي ويُفسد دِيني أو عقلي عند الموت بنَزَعاته التي تَزِلُّ بها الأقدام وتَصْرع العقول، وقد يستولي على الإنسان حينئذٍ، فيُضلِّه أو يمنعه التوبة أو يُعَوقه عن الخروج عن مظلمة أو يُؤْيسه من الرحمة، أو يكره الموت فيُختم له بسوء والعياذ بالله تعالى. وأجيب بأنه إنما قال تعليمًا لأمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال، بل سائر الأنبياء لا تسلط لشياطينهم عليهم وإن لم يسلموا. انتهى ما جاء في الزرقاني على المواهب. وخلاصته:

1- أن كل إنسان معه قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرين الملائكة إما لحِفظ الإنسان كما قال الله سبحانه (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(سورة الرعد:11)، وإما لمُساعدته على الخير وإما لغير ذلك، وقرين الجن مهمته الإغواء، فقد أقسم إبليس بعزة الله أن يُغْوي الناس أجمعين، إلا عباد الله المخلصين.

2- أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كسائر الناس له قرين من الجن وقرين من الملائكة، وقرينه من الجن مُخْتَلَف في أنه أسلمَ بدليل قوله ” فلا يأمرني إلا بخير” أو لم يُسْلم، بدليل الاستعاذة منه، وأن الله قوَّى رسولَه عليه فأبْطل محاولة إغْوائه، كما حدث من تفلُّته عليه في الصلاة؛ ليُفسدها فخَنَقَهُ ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثم أطلقه، كما ثبت في الحديث.

وعلى كلا الأمرين فالرسول معصوم من تسلط الشيطان عليه وإيقاعه في المعصية وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُنَبِّهنا إلى وجوب الحذر من الشيطان المُقارن لنا، وإلى أنَّه بشر مثلنا يُجاهِد مع توفيق من الله حتى لا يَعْصي، ونَحْن أَوْلى بالمجاهدة.