لا علاقة لسرعة الجنازة وبطئها بصلاح الميت وعدمه ، وإنما العبرة عند الله تعالى بالإيمان والتقوى والعمل الصالح.
يقول الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ :
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ قال “إذا وُضِعَتِ الجِنازة واحتملَها الرّجال على أعناقِهم فإن كان صالحة قالت: قدِّموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلَها أين تذهبون بي؟ يَسمَع صوتَها كلُّ شيء، ولو يَسمع الإنسانُ لَصَعِقَ”، وروى البخاري ومسلم أيضًا أن النبيّ ـ ﷺ ـ قال عند موت سعد بن معاذ “اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد بن معاذٍ” وروى الترمذي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: لما حملتْ جنازة سعد بن معاذٍ قال المنافِقون: ما أخفَّ جنازتَه ـ وذلك لحُكمِه في بني قُريظة ـ فبلَغ ذلك النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ فقال: “إن الملائكةَ كانت تحملُه”.
وذكر ابن الأثير في كتابه “أسد الغابة” عن سعد بن أبي وقاص عن النبي ـ ﷺ ـ قال” لقد نزلَ من الملائكةِ في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفًا ما وَطِئُوا الأرضَ من قَبْلُ، وبحقٍّ أعطاه الله ذلك.
تدلّ هذه الأحاديث على أن الجنازة، إذا كانت صالحة تطلُب مِن حَمَلَتِها مِن الناس أن يُسرعوا بها لتتنعّم بما أعدّه الله لها، وإن لم يَسمعوا صوتَها، وعلى أن هناك مَن يسمعها، كما تدل على أن الملائكةَ تُشارِك في حمل جنازة بعض الخواصّ من المسلمين أو على الأقل أن حملها للجنازة مُمكن لا يوجد نصٌّ يمنَعه، والعقل لا يُحيل ذلك، فإنّ في العالم قوى خفيّة وللأرواح أحوالاً غريبة، مع الإيمان بأنّ الله على كل شيء قدير.
بعد هذا نقول: إسراع النّعش وإبطاؤه أو وقوفه أو طيرانه فوق الرؤوس أمور تناقَل أخبارَها كثيرون، بعضهم سمع وبعضهم رأى، وأكثر المعلِّقين عليها يقولون: إن ذلك من فعل الحاملين للجنازة، وقد يكون ذلك التعليق صحيحًا، لكنْ تحدَّث أناس موثوق بحديثهم أن الإسراع أو الإبطاء، قد يكون اضطرارياً لا دخل فيه لأحد من الحاملين لها.
ونحن بدورنا نقول:
إن الأمر في حد ذاتِه مُمكن، وليس هناك نصٌّ يمنعه، وإن كان حديث الترمذي في شأن سعد بن معاذٍ يرجحه، وهو على كل حال ليس عقيدة نُحاسَب عليها، وإنما الذي نحاسب عليه من العقائِد هو ما يكون دليله قطعي الثُّبوت والدّلالة.
وعلينا أن نعتقدَ أن عمل الإنسان هو ميزان تقديره عند الله، كما نُحذِّر مَن يحملون الجنازة من اصطناع أمور يُظهرون بها كَرامة مَيِّتِهم، فكرامتُه في عَمَلِه، والله وحدَه هو الذي يتولَّى ذلك.