المراد بالبيت في الآية بيت النبي -ﷺ- الذي كان يسكنه، والمراد بأهل البيت رسول الله ونساؤه ولا تدل الآية على عصمتهن ، وإنما معناها أن الله تعالى خصص لهن الأحكام التي منها أن جزاءهن على الفاحشة وعلى الطاعة يضاعَف ضعفين لأجل إذهاب الرجس عنهن وتطهيرهن تطهيرًا، إذا هن امتثلن وأطعن الله ورسوله.
وما ورد من الروايات في تخصيص أهل البيت في الآية بفاطمة وعلي وولديهما مما يتبرأ منه سياق الآية.
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
-اعلم أن بعض الناس قد تكلموا في هذه الآية بالرأي فزعموا أن المراد بأهل البيت جميع ذرية فاطمة عليها السلام والرضوان ما تناسلوا ، وأن إرادة الله تعالى هي مشيئته المطلقة التي بها الخلق والتكوين ، ومن ثم بحثوا في عصمة الشرفاء أو حفظهم من الذنوب، فقال بعضهم : إن معاصيهم صورية لا حقيقية فيجب تأويلها كالمعاصي التي نُسبت إلى بعض الأنبياء ، وبهذا قال بعض الصوفية، وبحث ابن حجر الفقيه في ذلك بأنه مخالف للمشاهدة ، واختار هو حفظهم من الكفر دون المعاصي ، وقال : إنه يكاد يقطع بذلك، وقال بعضهم : إنها خاصة بعلي وفاطمة وولديهما ، ولهم في هذا روايات، وبعضهم أنها تشمل معهم بقية الأئمة الاثني عشر فهم المعصومون .
–والحق الذي لا محيد عنه إلا إلى الهوى ،أن المراد بالبيت في الآية بيت النبي -ﷺ- الذي كان يسكنه وهو جنس ، والمراد بأهله هو ونساؤه ، وذكر ضمير الجمع المذكر تغليبًا للأشرف إيذانًا بأن العناية به ثم بهن تبعًا له أو رعاية للفظ الأهل ، والعرب تستعمله ومنه قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ .. )( النمل : 7 ) وقوله تعالى : ( فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا .. )( طه : 10 ) ونحو هذه الآية قوله تعالى : ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ )( هود : 73 ) والخطاب لامرأة إبراهيم عليه السلام .
-هذا ما يقتضيه السياق ويتبرأ من كل ما يخالفه , فإن العبارة جاءت في آية معطوفة على عدة آيات فيهن بالنص الذي لا يحتمل التأويل، والمراد بالإرادة فيها ما يقصد ويراد من شرع تلك الأحكام الخاصة بهن لا إرادة الخلق والتكوين ابتداءً فقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ )( الأحزاب : 33 ) .. الخ هو كقوله عز وجل في آخر آية الوضوء والغسل والتيمم من سورة المائدة : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )( المائدة : 6 ) , وقوله تعالى بعد ذكر أحكام الصيام وما فيها من الرخصة : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ )( البقرة : 185 ) كل ذلك بيان لحكمته تعالى في تلك الأحكام ، وما فيها من الفائدة للأنام إذا هم عملوا بها , لا يفهم منها إرادة الخلق والتكوين ابتداءً .
-مَن فهم هذا – ولا تُحْمَل الآية سواه إلا بتحريفها عن موضعها – علم أن ما ورد من الروايات في تخصيصها بفاطمة وعلي وولديهما مما يتبرأ منه سياق الآية ؛ إذ يصير معنى الآيات يا نساء النبي لا تفعلن كذا ومن يفعل منكن كذا فجزاؤه مضاعف ضعفين ، يا نساء النبي افعلن كذا وكذا ، إن الله لا يريد بهذه الأوامر والنواهي إلا إذهاب الرجس عن علي وزوجته وولديه وتطهيرهم من كل ما يفضي إلى اللائمة تطهيرًا كاملاً .
-وإن رواية تفضي إلى هذا مما يُقْطَع ببطلانها ، وإن صحح بعض المحدثين سندها ، بل أقول : إنه لا معنى لإدخالهم في عموم الآية فضلاً عن تخصيصها بهم ولا مزية في ذلك لهم ، وهم غير مخاطَبين بتلك الأحكام التي شرعت لأجل إذهاب الرجس بالعمل بها ، وإنما كان يكون في ذلك مزية لو كانت الإرادة للتكوين وكان الإخبار بها ابتدائيًا غير معلق بشيء .
–أقول هذا وأنا علوي فاطمي حُسيني الأب حَسني الأم عالِم بالأخبار والآثار الواردة في ذلك , وأفضِّل فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام على أزواجه أمهات المؤمنين ؛ لأنها بضعة منه ، لكن كتاب الله فوق كل شيء , وحكمه فوق كل حكم , وهو قد خص أزواج نبيه بأحكام فهُن بها ممتازات على بناته وعلى جميع النساء أو الناس ، وإن فضلهن بعض الناس بمزية أو مزايا أخرى كما يَفضُل أبو بكر وعمر عائشة وحفصة.
–وإنني لأعجب أشد العجب كيف عظم افتتان الناس بالرواية في الصدر الأول وإن كانت مخالفة لصريح القرآن حتى قال من قال في هذه الآية : إنها خاصة بأهل الكساء أو عامة لبني هاشم وبني المطلب لحديث الترمذي والحاكم في الأول , وحديث الحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه وأبي نعيم في الثاني , ولا يصح في ذلك شيء خلافًا للترمذي والحاكم .
–ولله در عكرمة إذ كان يقول : ( من شاء باهَلْتُه أنها نزلت في أزواج النبي ﷺ ) وهو ما يرويه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما كما رواه ابن أبي حاتم و ابن عساكر، وروى ابن جرير أن عكرمة كان ينادي في السوق أن قوله تعالى : [ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ ]( الأحزاب : 33 ) نزل في نساء النبي -ﷺ- ، ولا يحتاج إلى شيء من الروايات في فهم الآية فإنها في سياقها لا تحتمل غير ما قلنا كما هو ظاهر لكل قارئ له معرفة باللغة .
-وقد علمت أن الآية لا تدل على عصمة أهل البيت , وإنما معناها أن الله تعالى شرع لهن تلك الأحكام التي منها أن جزاءهن على الفاحشة وعلى الطاعة يضاعَف ضعفين لأجل إذهاب الرجس عنهن وتطهيرهن تطهيرًا إذا هن امتثلن وأطعن الله ورسوله , ولا معنى لوعيد المعصوم من الذنب بمضاعفة عذابه عليه، فإذا فرضنا أن ذرية فاطمة داخلة في أهل البيت هنا لم يكن معنى ذلك أن يستحيل عليهم الفسق فإذًا هم كغيرهم من البشر فيما يجوز عليهم ويمتنع وهو ما تؤيده المشاهدة التي لا مكابرة فيها , فإن لم نقل بهذا كنا بين أمرين :
تكذيب الحس أو قذف الكثيرين من الشرفاء بأنهم أولاد زنا والأول جنون والثاني حرام.