ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يحرم على المرأة أن تلبس النقاب في الإحرام أو القفازين ، لأن إحرام المرأة في وجهها.
فأخرج الأئمة: البخاري وأبو داود والنسائي عن نافع :( ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ).
وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ رخص فيه يعني النقاب.
وقال ابن عبد البر: وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أجمعين إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة.
ولكن الإمام ابن قدامة أجاب عن فعل أسماء أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة , فلا يكون اختلافا.
أخرج أبو داود والأثرم عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان الركبان يمرون بنا , ونحن محرمات مع رسول الله ﷺ فإذا حاذونا , سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها , فإذا جاوزونا كشفناه }.
ومعنى ذلك أنها تغطي وجهها بدون النقاب.
وعلى هذا يتضح أنه لا يجوز للمرأة لبس النقاب في الإحرام ، ولكن إن كانت لها حاجة إلى ذلك ، غطته بغير النقاب ، بحيث لا يمس البشرة ، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن المرأة تجب عليها الفدية إن انتقبت وهي محرمة .
وقال ابن عبد البر الصواب عندي نهي المرأة عنه ووجوب الفدية عليها به لثبوته عن النبي ﷺ.
وخالفهم في ذلك كثير من الفقهاء ، وقالوا: لا يجب عليها ، وخاصة أنه روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تنتقب وهي محرمة .
وروي عن عائشة رضي الله عنها : تغطي المرأة وجهها إن شاءت.
وأما عن الحكمة من سفور المرأة عن وجهها في الإحرام ، فالأصل أن العبادة لله تعالى ، وأن الله تعالى يتعبد عباده رجالا ونساء بما يشاء، قال تعالى :(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
غير أن الله تعالى لم يجعل العبادة غير معقولة المعنى ، بل أتاح للناس أن ينظروا فيها ،وأن يخرجوا من أسرارها ما يفتح عليهم ، مما يقويهم على تأديتها .
ويمكن اعتبار أن الحكمة من سفور المرأة وجهها في الإحرام ما يلي :
الأول : ترويض النفس إلى الاستسلام لأمر الله دون مناقشة للأمر أو النظر فيه ، وفي ذلك تحقيق للعبودية ، حتى لو كان ذلك النقاب للمرأة ، فإن مقصود الشارع هو تمام العبودية لله تعالى دون نظر أو التفات إلى شيء.
الثاني : هو إخراج النفس عما اعتادت عليه ، فيكون أكثر إقبالا على عبادة الحج أو العمرة ، مما يحقق الإخلاص في قلبه ، ويتعود الخروج عن مألوف العادة ،فإن كانت خرجت عن شيء مشروع ، طاعة الله ، فإنه من الأولى أن تتعود النفس على الخروج عن العادات التي لا يقبلها الشرع .
الثالث : أن نسك الحج والعمرة تشبه كثيرا يوم القيامة ، و الناس يأتون فيها عرايا لا يبالون بما يرون، فكان حال ذلك تشبيها وتذكيرا بيوم القيامة الذي لا ينظر الإنسان فيه إلى شيء إلا إلى مصيره ، فيكون الانشغال في الحج بأداء النسك ، وتفريغ النفس تماما عن كل ما يعلق بها من سوى العبودية لله.
الرابع : أنه لما كان إحرام الرجل في رأسه ، فلا يجوز له أن يلبس شيئا على رأسه ، كان من باب المساواة في الحكم أن يكون للمرأة إحراما يناسبها ، فجاء الشرع جاعلا إحرامها في وجهها لا في رأسها .