عندما جعل الله الولاية للرجال على النساء لم يجعلها لكي يضار الآباء البنات أو أن يجبر الأب ابنته على الزواج ممن لا تحب، فالمرأة لها الحرية المطلقة في اختيار زوجها ابتداءً، وأيضا من حقها في الرجوع إلى طليقها إن هي أرادت ذلك، والولي ـ إذا كان الزوج من أهل الدين والأخلاق ـ لا يملك إلا الموافقة، ويحرم عليه العضل.
وقد أوجب الإسلام على الأب أو الولي استئذان الفتاة البالغة فإن هي قبلت أمضى العقد وإلا فليس من حقه أن يجبرها على العقد، فإن فعل فقد ارتكب إثمًا، وقد جعل الشرع للفتاة حق الخيار فإن هي رفضت فلترفع أمرها إلى القاضي الذي سيحكم بتطليقها.
وقد جاء في مسند الإمام أحمد أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
حكم تزويج الأب ابنته بغير رضاها؟
قال الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار”: (ظاهر الأحاديث أن البكر البالغة إذا تزوجت بغير إذنها لم يصح العقد. وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم).
وقبل الشوكاني قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه: (إن استئذان البكر البالغة واجب على الأب وغيره، وإنه لا يجوز إجبارها على النكاح وإن هذا هو الصواب، وهو رواية عن أحمد واختيار بعض أصحابه، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره… وقال: إن جعل البكارة موجبة للحجر مخالف لأصول الإسلام، وتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع، قال:
والصحيح أن مناط الإجبار هو الصغر، وأن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح.
فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي -ﷺ- أنه قال: “لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر” فقيل له: ” إن البكر تستحي؟ فقال: “إذنها صمتها” وفي لفظ في الصحيح “البكر يستأذنها أبوها” فهذا نهى النبي -ﷺ-: لا تنكح حتى تستأذن. وهذا يتناول الأب وغيره، وقد صرح بذلك في الرواية الأخرى الصحيحة؛ وأن الأب نفسه يستأذنها.
وأيضًا فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت رشيدة إلا بإذنها، وبضعها أعظم من مالها، فكيف يجوز أن يتصرف في بضعها مع كراهتها ورشدها؟.
هل يجوز للأب أن يزوج ابنته بمن لا تحب؟
يقول الشيخ عبد الرزاق جاي ـ عضو رابطة علماء المغرب:
أولا لا يوجد هناك نص شرعي من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه ﷺ يغصب على البنت ويفرض من لا تحب.
وهذا نوع من سوء فهم الولاية في الشريعة الإسلامية؛ فالولاية في الشريعة الإسلامية شرعت من أجل الحفاظ على كرامة البنت وحريتها وحقوقها لا لإكراهها على الزواج ممن ترفض.
والعمل الذي يقوم به أهل الفتاة من إجبارها بالإكراه على الزواج ممن لا ترغب به هو عمل لا يتفق وشريعة الإسلام؛ فإذا لم يقتنعوا فلها الحق في رفع المسألة إلى القاضي ليفصل في الأمر.
والله يهدي الجميع.أهـ
وبإمكان الفتاة المسلمة أن تعرض هذه الفتوى على أوليائها وهم سيغيرون موقفهم بإذن الله تعالى إذ لا يرضى أحد منا أن يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو نهيه. وفقكنا الله جميعا للبر والتقوى وجعلنا ممن يستمع الحق فيعمل به.