تأخذ الدعوة حكم ما تدعو إليه غالبا ، فقد تكون واجبة ، أو سنة ، أو مستحبة ، أو مكروهة ، أو محرمة :

فتكون تلبية الدعوة واجبة في أحوال منها :
1 –
أن يدعى لأداء واجب ، فإن كان واجبا عينيا كإقامة الصلاة فلا يصح تأخيره وكانت الإجابة إليه متعينة ، وإن كان واجبا على الكفاية كانت الإجابة إليه واجبة على الكفاية ، كإجابة دعوة الملهوف ، والمضطر المشرف على الهلاك ، والمستغيث.
قال تعالى في شأن المؤمنين : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } وقال : { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم } .

2 – أن يدعى إلى ترك المعصية فتجب الاستجابة للداعي ، لأن الفعل واجب الترك أصلا ، ويتأكد الوجوب بالدعوة إليه أيضا ، وقد قال الله تعالى في شأن المنافقين { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } إلى قوله : { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد } .

3 – وتكون الاستجابة أيضا واجبة على من دعي إلى قاض يحكم طبقا للشريعة في حق عليه . فعليه الاستجابة ، ويحرم الامتناع إن كان عليه ما يتوقف ثبوته على حضوره ، وإلا وجب الوفاء أو الحضور وإن لم يثبت الحق . ولو دعاه القاضي نفسه لزم الحضور أيضا ، وذلك لقول الله تبارك وتعالى في وصف المنافقين : { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون . وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين } وقوله تعالى : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون } وفي المسألة تفصيلات .

4 – وتكون الإجابة واجبة أيضا على من دعي لتحمل الشهادة ، أو دعي لأداء شهادة تحملها ، لقول الله تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا }.
قال جلال الدين المحلي : تحمل الشهادة فرض كفاية في النكاح – أي في حق من هم أهل لثبوته ، وإن زادوا على النصاب – لتوقف الانعقاد عليه ، فيلزمه الاستجابة إن كان حاضرا ، فإن كان غائبا ودعي للتحمل فالأصح عدم وجوب الإجابة إلا أن يكون المحمل مريضا ، أو محبوسا ، أو امرأة مخدرة ـ أي لا تخرج من بيتها مطلقا ـ أو قاضيا يشهده على أمر ثبت عنده .
وأما الدعوة للأداء ، فإن لم يكن في القضية إلا اثنان لزمهما الأداء لما دون مسافة القصر ـ السفر 80كم ـ ، فإن كانوا أكثر فالوجوب على الكفاية . وفي المسألة خلاف وتفصيل .

5 – أن يكون الداعي واجب الطاعة ، ومن ذلك :
أ – الاستجابة للنبي . فقد كان واجبا على كل صحابي سمع النبي يناديه أن يستجيب له ، لقوله تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } على أحد الأقوال في تفسير الآية . قال الرازي وهو اختيار القفال والمبرد ، قال : أي ولا تجعلوا أمره إياكم ودعاءه لكم كما يكون من بعضكم لبعض ، إذ كان أمره فرضا لازما . هذا وتجب الاستجابة لدعاء النبي سواء أكان المدعو في غير صلاة ، أو كان في صلاة فرض ، أو صلاة نفل . وفي بطلان الصلاة بالاستجابة له بالقول خلاف ، وذلك لما روى أبو سعيد بن المعلى ، قال : { كنت أصلي فمر بي النبي فدعاني فلم آته حتى صليت ، ثم أتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ ألم يقل الله : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة من القرآن قبل أن تخرج من المسجد . . . } الحديث .
ب – أن يكون الداعي هو الأب أو الأم ، إذ من العقوق لهما أن يسمعهما يدعوانه فلا يستجيب لهما ، فإن دعواه جميعا أجاب الأم أولا ، ويدل لأصل المسألة في الوجوب قصة جريج العابد ، وفيه : { أنه كان يتعبد في صومعة فجاءت أمه ، فرفعت رأسها تدعوه ، فقالت : يا جريج أنا أمك كلمني . فصادفته يصلي ، فقال : اللهم أمي وصلاتي ، فاختار صلاته } الحديث ، وفيه أنها دعت عليه فاستجاب الله دعاءها .

قال الحنفية كما في الدر ورد المحتار : لو دعاه أحد أبويه في الفرض لا يجيبه إلا أن يستغيث به – واستغاثة غير الأبوين كذلك – وكان له قدرة على إغاثته وتخليصه ، فيجب إغاثته وقطع الصلاة ، وفي النفل إن علم الذي ناداه من أب أو أم أنه في الصلاة فدعاه لا يجيبه ، لأن نداءه له مع علمه أنه في صلاة معصية ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن لم يعلم أنه في صلاة فإنه يجيبه ، لما في قصة جريج العابد . وقد تقدمت .
وعند المالكية أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها ، وحكى القاضي أبو الوليد ابن رشد أن ذلك يختص بالأم دون الأب وقال به من السلف مكحول .

وقال النووي في شأن حديث قصة جريج : قال العلماء : في هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها ، لأنه كان في صلاة نفل ، والاستمرار فيها تطوع لا واجب ، وإجابة الأم وبرها واجب ، وعقوقها حرام .

وقال ابن حجر : جواز قطع الصلاة مطلقا لإجابة نداء الأم نفلا كانت أو فرضا وجه في مذهب الشافعي ، والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد بالترك وجبت الإجابة وإلا فلا ، وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة ، وإن لم يضق وجب عند إمام الحرمين الجويني، وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع .
ج – أن يكون الداعي هو الزوج إذا دعا امرأته إلى فراشه ، لما في الحديث : { إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح } .

6 – أن يكون الداعي هو إمام المسلمين أو من ينوب عنه في الولاية ، كأمير الحج ، وأمير الجيش ، والوالي ونحوهم ، فتجب الاستجابة لهم بمقتضى الولاية ، ما لم تكن دعوتهم إلى محرم .
( انتهى، من موسوعة الفقه الكويتية ).
وما سوى ذلك لا يجب فيه إجابة الدعوة ، فإن كانت إلى معصية حرمت الإجابة ، وإن كانت إلى فعل مكروه أو ترك مندوب فتكره الإجابة ، أو العكس فتستحب .