قال الله تعالى في سورة (ص): “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ” (سورة ص: آية 41).
هذه الآية الكريمة تطلب من النبي -ﷺ- أن يذكر لقومه ما حدث لأحد أنبيائه وهو سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ الذي ابتلاه الله ـ عز وجل ـ بأحد الأمراض، والتي أنهكت قواه، وأضعفت جسده، فتفرق عنه أهله، ما عدا زوجته، وبعض أصدقائه، وفقد كل ماله. ولكنه ظل صابرا محتسبا متضرعا إلى الله ـ عز وجل ـ وحده.
وقد استمر به هذا المرض مدة اختلف أهل العلم في تحديدها ما بين سبع سنين إلى ثمان عشرة سنة، ولكن أيوب ـ عليه السلام ـ ظل صابرا حتى منَّ الله ـ عز وجل ـ عليه بالشفاء، ووهب له أهله، ومثلهم معهم رحمة منه وفضلا، وأثنى عليه، وجعله من المصطفين الأخيار، قال الله تعالى في الآية الثالثة لهذه الآية: “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ*وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الألْبَابِ*وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ” (سورة ص: آية 42-44)
أما حقيقة مس الشيطان له، الذي أدى إلى إحساسه بالتعب والألم فإنها وسوسة الشيطان له، بالتضجر والسآمة والملل من طول فترة مرضه أو من وسوسة الشيطان لزوجته بأن تطلب منه أن يتقرب إلى الله بما لا يليق بوحدانيته، كما ورد في بعض الآثار، أو الوسوسة لأصحابه القلائل الذين استمروا على صحبته بأن يسقوه من خمرهم، فإن فيها شفاءه، كما ورد في آثار أخرى؛ لأن الشيطان وأعوانه لا يملكون للمؤمن أكثر من الوسوسة إليه، والتسويل له، والوعود الكاذبة، والأماني الباطلة.
قال الله تعالى: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (إبراهيم: آية 22).