من كان سيجد في محل إقامته من يصلي معهم جماعة قصراً، فالأفضل له أن يصلي في محل إقامته ليجمع بين فضل الصلاة في الجماعة، والأخذ بسنة القصر.
وإن لم يجد من يصلي معهم في محل إقامته جماعة قصراً، ودار الأمر بين أن يصلي منفرداً قصراً، وبين أن يصلي مع جماعة المسجد متماً، فالأفضل له أن يصلي مع جماعة المسجد ليدرك فضل الصلاة فيها، وإن فوت ذلك عليه أفضلية الأخذ بسنة القصر لأنها مختلف فيها، بينما أفضلية صلاة الجماعة على صلاة المنفرد متفق عليها، فالمحافظة على ما هو متفق عليه أولى من المحافظة على ما هو مختلف فيه. ومما يؤيد ما ذكرنا هو أن الصحابة كانوا يفدون على النبي ﷺ، ولا شك أن منهم من لم يكن يقيم معه مدة تقطع حكم السفر، ولم ينقل أن أحداً منهم – حسب علمنا- كان يقصر، ولا يحضر الجماعة مع النبي ﷺ، بل المنقول هو خلاف ذلك.
أما إذا صلى منفرداً لعدم وجود الجماعة أصلاً، أو لعدم المقدرة على الوصول إليها، فالأفضل له القصر على الراجح، وبيان ذلك أن جمهور أهل العلم على أن للمسافر مدة سفره أن يقصر الصلاة، وله أن يتمها، سواء كان في ذلك الوقت نازلاً، أو كان جاداً به السير، واختلفوا في أيهما أفضل له، والراجح -إن شاء الله تعالى- أن القصر أفضل لمداومة النبي ﷺ، كما ثبت في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول : ” صحبت رسول الله ﷺ فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك رضي الله عنهم .
ومن غير المعقول أن يداوم النبي ﷺ وخلفاؤه الراشدون على أمر مفضول، كما أن القصر رخصة من الله تعالى وصدقة منه على عباده، وقد أمرنا النبي ﷺ أن نقبلها، كما في صحيح مسلم وغيره عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك فقال: ” صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته”.
وفي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: ” إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته” وفي صحيح ابن حبان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي ﷺ قال: ” إن الله يجب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه”.