القرآن الكريم لم يقُص عَلَيْنَا من أخبار السابقين إلا ما فيه العِبْرَة والمَوْعِظَة فقط، وذلك من أسرار بلاغته التي يُراعي فيها مُقْتَضَى الحال، ولا حاجةَ إلى سَرْدِ التفاصيل والجزئيات التي لا يضرُّ الجهل بها، ويُتْرَكُ للناس البحث عنها تنشيطًا للفِكْر وازديادًا في الثقافة.
وقد ذَكَرَ القرآن بعض قصص الأنبياء، وسلَّط الأضواء على جوانبَ منها حتى مع تَكْرَار ذِكْرِ القصة الواحدة في عِدة مواضع، اقتضاه نزول القرآن مُنَجَّمًا على مدى ثلاثة وعشرين عامًا، قال تعالى: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِه فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (سورة هود : 120) وقال: (لَقَدَ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبِابِ مِا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدِيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدَىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (سورة يوسف: 111).
وبخصوص سيدنا آدم ذَكَرَ القرآن أن الله أهبطه إلى الأرض (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين) (سورة الأعراف : 24)، وقال من قبلِ ذلك للملائكة (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (سورة البقرة: 30) ولم يبيِّن المكان الذي هبط عليه من الأرض، وذلك لعدم الحاجة إليه، وقد استغل بعض الناس هذا الأمر استغلالاً سياحيًا أو لمصالح أخرى فادَّعوا أنه هبط على أعلى قمة في جبل بالهند بجزيرة سيريلانكا، “سيلان سابقًا” وأن قدمه أثرت في الصخر ومشى هناك خمسمائة سنة يبكي على هابيل وتكوَّنت من دموعه ودموع حواء عين ماء، والناس يتوافدون على المكان لزيارته، كما استغلت مناطق أخرى لهذا الغرض.
ومما يُشاع أنه هَبَطَ في مكان وحواء في مكان آخر هو جدة وبعد بحثٍ وتعبٍ التقيا على جبل عَرَفَات فسُمي بهذا الاسم لهذا السبب، كما يُقال : إنه دُفِنَ في جزيرة العرب وله قبرٌ طوله ستون ذراعًا، ولكن كلُّ ذلك لا يدُل عليه دليلٌ صحيحٌ، وبخاصة أن آلاف السنين مرَّت عليه ، والآثار التي مرَّ عليها أقلُّ من ذلك ما زال كثيرٌ منها مَجْهُولاً، وبالطبع دُفن آدم في الأرض بعد موته؛ لأن قابيل لمَّا قتل أخاه هابيل واحتار في أمره بعث الله غُرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سَوْأة أخيه. فدفنه في حُفرة في الأرض، وكان ذلك سُنَّة مُتبعة في ذريته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، (إِذَا زُلْزِلَتْ الأرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الَأرْضُ أَثْقَالَهَا) (سور الزلزلة: 1،2) وهم الموتى في القبور.
هذا، وقد ذكر الزُّرقاني في شرحه للمواهب للقسطلاني: أن آدم مات بمكة يوم الجمعة ودُفِنَ في قبر بغار أبي قبيس، كما ذكره الثَّعلبي وغيره.
وعن ابن عباس أن آدم بعدما حجَّ عاد إلى الهِند ومات بها.
وعن ثابت البناني أنهم دفنوه في “سرنديب” في الموضع الذي أُهْبِط فيه، وصححه الحافظ ابن كثير.
وقيل: دُفن بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم ، وقيل غير ذلك. وعاشت حواء بعده سنة، وقيل ثلاثة أيام ودُفِنَت بجنبه.
وكلُّ ذلك كلامٌ ليس عليه دليل صحيح.
وبعد، فمن يسأل عن قبر أبينا آدم ليزوره ويترحَّم عليه فخير من ذلك ألف مرة أن يسير على النَّهج الذي رسَمَه له ربُّه عندما أهبطه إلى الأرض حيث قال تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِني هُدَىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) (سورة طه: 123).