جاء في تفسير القرطبي “ج 1 ص 283” قوله: واختُلف في أوّل من تكلَّم باللسان العربي، فرُوِيَ عن كعب الأحبار أن أولَ من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها وتكلّم بالألسنة كلها آدم عليه السلام، وقاله غير كعب الأحبار.
فإن قيل: قد رُوِيَ عن كعب الأحبار من وجه حسن قال: أولُ من تكلَّم بالعربيّة جبريل عليه السلام ، وهو الذي ألقاها على لسان نوح ـ عليه السلام ـ وألقاها نوح على لسان ابنه سام. ورواه ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن كعب، وروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنّه قال” أولُ مَن فتقَ لسانه بالعربيّة المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين” وقد روى أيضا: أن أول من تكلَّم بالعربية يَعْرُب بن قحطان، وقد رُوِيَ غير ذلك.
قلنا: الصحيح أن أولَ من تكلَّم اللغات كلها من البشر آدم، عليه السلام، والقرآن يشهد له، قال الله تعالى: (وعَلَّم آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها) واللّغات كلها أسماء، فهي داخلة تحته، وبهذا جاءت السُّنّة، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : “وعلّم آدمَ الأسماء كلّها حتّى القَصعةَ والقُصيعةَ” وما ذكروه يحتمل أن يكون المُراد به أولَ مَن تكلّم العربيّة من ولد إبراهيم ـ عليه السلام ـ وإسماعيل ـ عليه السلام ـ وكذلك إن صحّ ما سواه فإنّه يكون محمولاً على أن المذكور أول من تكلّم من قبيلته بالعربيّة، بدليل ما ذكرنا، والله أعلم، وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علَّمها الله آدم، أو جبريل على ما تقدَّم.
والله أعلم.
وإذا كان القرطبي يرجِّح أن أول من تكلم بالعربية هو آدم، فقد ذكر أنه قال الشِّعر العربي الموزون، فنقل عن الثعلبي أنه قال عندما تغيرت الأحوال بسبب قتل قابيل لهابيل.
تَغَيَّرَتِ البِلادُ ومَنْ عَلَيْهَا
فَوَجْهُ الأرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي طَعْمٍ ولَوْنٍ
وقَلَّ بَشاشةَ الوجْهُ المَليحُ
ثم قال : قال القُشيري وغيره قال ابن عباس: ما قال آدم الشعر، وإن محمّدًا والأنبياء لهم في النهي عن الشعر سواء، لكن لما قُتِل هابيل رَثاه آدم وهو سرياني فهي مرثيّة بلسان السريانيّة أوصى بها إلى ابنه شيث وقال: إّنك وَصيّي فاحفظ مني هذا الكلام ليُتَوارَث ، فحفظت منه إلى زمان يعرُب بن قحطان، فترجَم عنه يعرب وجعله شعرًا. أهـ.
وفي التعليق على تفسير القرطبي ، قال الآلوسي: ذكر بعض علماء العربيّة أنه في ذلك الشعر لحنًا، أو إقواء، أو ارتكاب ضرورة. والأولى عدم نِسبته إلى يَعْرُب أيضا؛ لما فيه من الرّكاكة الظاهرة، وقال أبو حيّان في “البحر” : ويُروى بنصب “بشاشة” من غير تنوين على التمييز، ورفع “الوجه المليح” وليس بلَحن.
هذا ما قاله العلماء، وليس فيه نص صحيح، إنما هو نقل غير مسنَد، واجتهاد واستنباط، وذلك لا يوصل إلى حقيقة، وجهلُنا بأول من نطق العربية لا يضرُّ العقيدة وعِلْمنا به لا يحل مُشكلاتِنا.