الاحتفال بالمولد النبوي جائز إن لم يشتمل الاحتفال على شيء محرم،وذلك تعظيمًا لرسول الله ﷺ ،وقد احتفل النبي ﷺ بيوم عاشوراء لما علم أن اليهود تصومه شكرًا لله تعالى ،لنجاة موسى فيه، فقال:(نحن أحق بموسى منهم)،ولأنه ﷺ كان يصوم يوم الاثنين لأنه ولد فيه ،ولكن لابد أن يراعى في الاحتفال ألا تكون فيه مخالفة شرعية ،وكان أول من احتفل به الملك المُظَفَّر أبو سعيد كُوكبَري بن زين الدين عليّ ابن بُكْتُكِين.
من هو أول من احتفل بمولد النبي ﷺ:
يقول الشيخ عبد الله صديق الغماري من علماء الأزهر : للحافظ جلال الدين السيوطيّ كلام قيم في هذا الموضوع نلخصه فيما يأتي، قال رحمه الله: إن أصلَ عمل المَوْلِد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تَيَسَّر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبيّ ـ ﷺ ـ وما وقع في مَوْلِده من الآيات، ثم يُمَدّ لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك ـ هو البِدَع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها لِما فيه من تعظيم النبيّ ـ ﷺ ـ وإظهار الفرح والاستبشار بمَوْلِده الشريف. وأول من أحدث فعل ذلك صاحب “إربل” الملك المُظَفَّر أبو سعيد كُوكبَري بن زين الدين عليّ ابن بُكْتُكِين أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عَمَّر الجامع المظفَّريّ بسفح قاسيون.
قال ابن كثير في تاريخه: كان يعمل المَوْلِد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا، وقد صَنَّف له الشيخ أبو الخطاب بن دِحية مجلدًا في المَوْلِد النبويّ سمَّاه “التنوير في مَوْلِد البشير النذير” فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في المُلْك إلى أن مات وهو مُحاصِر للفرنج بمدينة عكا سنة 630هـ محمودَ السيرة والسريرة.. إلى أن قال: وحَكَتْ زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب أختُ الملك الناصر صلاح الدين أن قميصه كان من كرباس غليظ لا يساوي خمسة دراهم، قالت: فعاتبتُه في ذلك فقال: لُبس ثوب بخمسة والتصدقُ بالباقي خير من أن ألبس ثوبًا مثمَّنًا وأدَعَ الفقير والمسكين.
وقال ابن خَلِّكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب بن دِحية: كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قَدِمَ من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة 604هـ فوجد ملكَها المُعَظَّم مظفَّر الدين بن زين الدين يَعتني بالمَوْلِد، فعمل له كتاب “التنوير في مَوْلِد البشير النذير” وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار.
الاحتفال بمولد النبي ﷺ:
تكلم أبو عبد الله بن الحاج في كتابه “المدخل على عمل المَوْلِد” فأتقن الكلام فيه جدًّا، وحاصلُه مدحُ ما كان فيه من إظهار شعارٍ هو شكرٌ، وذم ما احتوى عليه من مُحَرَّمات ومُنْكَرات، فمن ذلك قوله: وإن كان النبيّ ـ ﷺ ـ لم يَزِدْ فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ـ ﷺ ـ لأمته ورفقه بهم؛ لأنه ـ ﷺ ـ كان يترك العمل خشيةَ أن يُفْرَض على أمته رحمة منه بهم، لكن أشار ﷺ إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الإثنين: “ذاك يومٌ وُلِدْتُ فيه” فتشريف هذا اليوم مُتَضَمِّن لتشريف هذا الشهر الذي وُلِد فيه، فينبغي أن نحترمَه غايةَ الاحترام ونُفَضِّلَه بما فَضَّل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله ﷺ: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونَه تحت لوائي”. وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خَصَّها الله به من العبادات التي تُفْعَل فيها لِما قد عُلِمَ أن الأمكنة والأزمنة لا تَشْرُف لذاتها وإنما يَحْصُل لها التشريف بما خُصَّتْ به من المعاني، فانظر إلى ما خَصَّ الله به هذا الشهر الشريف ويوم الإثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم لأنه ﷺ وُلِدَ فيه.
فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يُكَرَّم ويُعَظَّم ويُحْتَرم الاحترام اللائق به اتباعًا له ـ ﷺ ـ في كونه كان يَخُصُّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البِر فيها وكثرة الخيرات. ألا ترى إلى قول ابن عباس: كان رسول الله ـ ﷺ ـ أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون في رمضان. فلنمتثلْ تعظيمَ الأوقاتِ الفاضلة بما امتثله على قدر استطاعتنا.
فإن قال قائل: قد التزم النبيّ ـ ﷺ ـ في الأوقات الفاضلة ما التزمه مما قد عُلِم، ولم يَلْتَزِم في هذا الشهر ما التزمه في غيره.
فالجواب أن ذلك لِما عُلِم من عاداته الكريمة أنه يريد التخفيف عن أمته سيما فيما كان يخصه. ألا ترى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ حَرَّم المدينة مثلما حَرَّم إبراهيمُ مكة، ومع ذلك لم يَشْرَع في قتل صيده ولا شجره الجزاءَ تخفيفًا على أمته ورحمة بهم، فكان ينظر إلى ما هو من جهته، وإن كان فاضلاً في نفسه، فيتركه تخفيفًا عنهم. فعلى هذا تعظيمُ هذا الشهر الشريف إنما يكون بزيادة الأعمال الزاكيات فيه والصدقات إلى غير ذلك من القُرُبات، فمن عجز عن ذلك فأقل أحواله أن يجتنب ما يَحْرُم عليه، ويَسْكُن له تعظيمًا لهذا الشهر الشريف، وإن كان ذلك مطلوبًا في غيره إلا أنه في هذا الشهر أكثر احترامًا، كما يتأكد في شهر رمضان وفي الأشهر الحرام اهـ.
وقد سُئِلَ شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر عن عمل المَوْلِد فأجاب بما نصه: أصل عمل المَوْلِد بدعة لم تُنْقَل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وتابع التابعين ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسنَ وضدِّها، فمن تَحَرَّى في عملها المحاسن وتجنَّب ضدَّها كان بدعةً حسنة وإلا فلا.
قال الحافظ السيوطيّ: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبيَّ ـ ﷺ ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجَّى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى. فيُستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نِقْمة، ويُعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سَنَة. والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأية نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبيّ نبيّ الرحمة في ذلك اليوم.