أول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله تعالى هو الصلاة، وأول ما يحاسب عليه من حقوق الخلق هو الدماء، وهذا يبين أهمية الصلاة، وخطر الاعتداء على الدماء.
أو أن أول الحساب يكون في الصلاة، وأول القضاء يكون في الدماء، ويحتمل كون المحاسبة على الصلاة قبل القضاء في أمر الدماء.

يقول الأستاذ الدكتور حسام الدين بن عفانة، الأستاذ بجامعة القدس:
أما الحديث الأول المتعلق بالصلاة فقد ورد بعدة روايات منها عن حريث بن قبيصة قال : قدمت المدينة فقلت : اللهم يسر لي جليساً صالحاً قال فجلست إلى أبي هريرة فقلت : إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعني به ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك ) رواه الترمذي وحسنه، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال الألباني.

وجاء في رواية أخرى عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن أكملها كتبت له نافلة، فإن لم يكن أكملها يقول الله سبحانه لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع ؟ فأكملوا بها ما ضيع من فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة، و صححه الألباني.

وأما الحديث الثاني فقد رواه البخاري بإسناده عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( أول ما يقضى بين الناس في الدماء ) وفي رواية مسلم :( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) .

ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أبي هريرة في أن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، لأن حديث أبي هريرة متعلق بحقوق الله سبحانه وتعالى، والحديث الآخر متعلق بحقوق العباد، أي أن أول حق من حقوق الله تعالى يحاسب عليه العبد هو الصلاة، وأول حق من حقوق العباد يحاسب عليه العبد هو الدماء.

قال الإمام النووي :
قوله صلى الله عليه وسلم: ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) فيه تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها، وليس هذا الحديث مخالفاً للحديث المشهور في السنن :( أول ما يحاسب به العبد صلاته ) لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد والله أعلم بالصواب].

وقال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” :
ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته ) الحديث أخرجه أصحاب السنن، لأن الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق، والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق، وقد جمع النسائي في روايته في حديث ابن مسعود بين الخبرين ولفظه :( أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يقضي بين الناس في الدماء ) .

وقال العلامة القاري في “المرقاة”:
الأظهر أن يقال: لأن ذلك ـ القتل ـ من المنهيات وهذا ـ الصلاة ـ في المأمورات، أو الأول في المحاسبة والثاني في الحكم، لما أخرج النسائي عن ابن مسعود مرفوعاً :( أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضى بين الناس في الدماء ) وفي الحديث إشارة إلى أن الأول الحقيقي هو الصلاة فإن المحاسبة قبل الحكم .
وقال في موضع آخر : قال الأبهري : وجه الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم : (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء ) أن الأول من حق الله تعالى والثاني من حقوق العباد، أو الأول من ترك العبادات والثاني من فعل السيئات .

وخلاصة الأمر
أن التوفيق بين الحديثين يكون بحمل حديث أولية المحاسبة على الصلاة بأن ذلك متعلق بحقوق الله؛ وأولية القضاء في الدماء بأن ذلك متعلق بحقوق العباد .