آنية أهل الكتاب من حيث الأصل طاهرة طالما حكمنا بطهارة أجسامهم، والإشكال يكمن في أنهم ربما طبخوا فيها ما نحكم بنجاسته كالخنزير، فإذا تيقنا أنهم يطبخون فيها الخنزير فلا بد من غسلها قبل الاستعمال، وما دون اليقين كالشك والظن فقد يجعل الاستعمال قبل الغسل مكروها لا حراما.
وكذلك الثياب فالأصل فيها الطهارة إلا إذا تيقنا ملابستها بالنجاسة فيجب غسلها.
جاء في كتاب فقه الطهارة للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
الأصل في أواني غير المسلمين ـ من يهود ونصارى ومشركين وغيرهم ـ أنها طاهرة، لأن سؤرهم طاهر، لأن المختلط به هو اللعاب، وهو متولد من لحم طاهر، فيكون طاهرا، ولذا ثبت أن النبي ﷺ أنزل وفد نجران مسجده[1].
كما روي أنه أنزل وفد ثقيف المسجد، وكانوا مشركين.[2]ومثل أوانيهم: ملابسهم وثيابهم، فالأصل فيها الطهارة، لأنها تلامس جسما طاهرا، ولم يكره الحنفية من ملابسهم إلا الملابس الداخلية المتصلة بأبدانهم كالسراويل، بسبب أنهم لا يتوقون النجاسة ولا يتنزهون عنها، ولو أمن ذلك بالنسبة لها، وتأكدنا من طهارتها، لم يكره لبسها.
وأما ما ينجس من ملابسهم، فيجري عليه ما يجري على ملابس المسلمين من الغسل ونحوه.وكره الشافعية استعمال أوانيهم وملابسهم، لما فيها من مظنة النجاسة ولا سيما أنهملا ينقونها، وكما روى أبو ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله ، إنا بأرض أهل الكتاب، ونأكل في آنيتهم؟ فقال: “لا تأكلوا في آنيتهم ، إلا أن لا تجدوا منها بدا، فإن لم تجدوا منها بدا، فاغسلوها وكلوا فيها[3] فإن توضأ مسلم من أوانيهم : فإن كانوا ممن لا يتدينون باستعمال النجاسة صح الوضوء، لأن النبي ﷺ توضأ من مزادة مشركة” وتوضأ عمر من جرة نصرانية، ولأن الأصل في أوانيهم الطهارة.
واختلفوا فيمن يتدينون باستعمال النجاسة، بين من يصحح الوضوء ومن لا يصححه. وذكر الإمام القرافي في (الفروق) :أن جميع ما يصنعه أهل الكتاب ـ ومثلهم المسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون ولا يتحرزون من النجاسات ـ من الأطعمة وغيرها: محمول على الطهارة، وكذلك الحال بالنسبة لملابسهم، لأن الأصل فيها الطهارة، ما لم يصبها النجس.
ويقول الحنابلة ـ في ثياب غير المسلمين وأوانيهم:إنها طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها، وأضافوا: إن الكفار على ضربين ـ أهل كتاب وغيرهم ـ فأما أهل الكتاب فيباح أكل طعامهم وشرابهم واستعمال آنيتهم ما لم تعلم نجاستها.
قال ابن عقيل: لا تختلف الرواية في أنه لا يحرم استعمال أوانيهم، لقول الله تبارك وتعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) المائدة:5، وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر، قال فالتزمته، فقلت: والله لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا. قال: فالتفت فإذا رسول الله ﷺ مبتسما. وروي “أن النبي ﷺ أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة”، وتوضأ عمر من جرة نصرانية. وأما غير أهل الكتاب ـ وهم المجوس وعبدة الأوثان ونحوهمـ ومن يأكل لحم الخنزير من أهل الكتاب ـ في موضع يمكنهم أكله ـ، أو يأكل الميتة، أو يذبح بالسن والظفر: فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذمة عملا بالأصل، وأما أوانيهم فقال أبو الخطاب: حكمها حكم أواني أهل الكتاب، يباح استعمالها ما لم يتحقق نجاستها، “لأن النبي ﷺ وأصحابه توضئوا من مزادة مشركة” ولأن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك.
وقال القاضي: هي نجسة، لا يستعمل ما استعملوه منها إلا بعد غسله، لحديث أبي ثعلبة المتقدم، ولأن أوانيهم لا تخلو من أطعمتهم، وذبائحهم ميتة، فتتنجس بها.
وذكر ابن القيم من فقه الغزوة (3/638): جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين وتمكينهم من الصلاة فيها إذا كان ذلك أمرا عارضا.
وقد ذكر ابن القيم في فقه الغزوة: جواز إنزال المشرك في المسجد، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه.
[1] – انظر: زاد المعاد (3/596) وقد نقله عن ابن إسحاق.
[2] – انظر: زاد المعاد (3/596) طبعة الرسالة.
[3] – رواه البخاري مع الفتح (9/922) واللفظ له، ومسلم (3/1532) .