يقول الشيخ / الدكتور محمد الحمود النجدي:
إن الشريعة الإسلامية الغراء دعت إلى كل مصلحة ومنفعة، وحذرت ومنعت وحرمت كل شر ومفسدة، وهكذا الشرائع التي جاءت بها الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، تأمر بكل فضيلة وبكل خير ومنفعة ومصلحة وتنهى عن كل شر وبلاء ومفسدة.
فهذه حكمة الله سبحانه وتعالى في شريعته، فإن الله عز وجل قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)سورة النحل، وهي من أجمع الآيات في كتاب الله عز وجل، ولهذا قال أهل العلم متى رأيت الأمر؟ يخلو عن العدل وعن الإحسان وعن المنفعة للبلاد والعباد، فاعلم أنه مما حرمه الله، لأن الله يأمر بالعدل ويأمر بالاحسان ويأمر بكل ما فيه خير وبر ببني الإنسان، بل بكل ما يعيش على وجه الأرض من نبات وحيوان.
أعظم أنواع الفساد في الأرض الشرك بالله؟
إن أعظم ما أمر الله سبحانه وتعالى به من العدل هو التوحيد، توحيد الله عز وجل موافق للعدل وموافق للحق، فإن الذي خلقك هو الله وإن الذي رزقك هو الله فكيف تعبد غير الله عز وجل؟ وهو خالقك، وهو الذي أوجدك من العدم، وهو الذي تولى تربيتك بالنعم، منذ أن كنت جنيناً في بطن أمك إلى أن صرت رجلاً، ولهذا فإن أظلم الظلم هو الشرك بالله كما قال الله عز وجل: ( وإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )سورة لقمان.
الشرك هو أظلم الظلم، وهو أقبح القبائح، وهو أعظم الفساد في الأرض، كما قال الله عز وجل ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)سورة الأعراف، أي لا تفسد في الأرض ولا تدعو إلى الشرك، لأن الشرك هو أعظم الشر وأعظم الفساد.
-وإن كانت اليوم الدول المتحضرة في الشرق والغرب لا يعدون الكفر والإلحاد من الفساد في الأرض، لو خالف الإنسان مخالفة بسيطة يسيرة عدّوه جرماً، لكن أن يكفر بالله صراحة وجهرا وعلانية، فليس عندهم هذا من الفساد في الأرض، ولا من الجرائم.
وقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل: إنه من يأتي ربه مجرماً من هو المجرم؟ ( إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ) سورة طه، ما الذي يقابل الإيمان؟ الإجرام، وما هو الإجرام في هذه الآية هو الشرك والكفر.
فالشرك بالله هو أعظم جريمة وإن صغر في نظر البعض، وإن صار بعض أهل الشر يحسنونه ويزينونه بزينة حرية الرأي والاعتقاد، وحرية الرأي لها حدود حتى ولو كان يعيش بين أظهر المسلمين كفار فلهم حدود لا يتجاوزوها ولا يتعدوها.
من الفساد في الأرض البدع؟
ويأتي بعد الشرك بالله من الفساد في الأرض البدع، قد يقول قائل البدع قبل الكبائر والمعاصي، نقول نعم، يقول السلف البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يُتابُ منها، والبدعة لا يتاب منها -سبحان الله- صاحب المعصية عنده هاجس التوبة دائما يحدث نفسه بترك الذنب، دائما يعلم أنه متجرأ على ربه سبحانه وتعالى وعلى حدوده.
ولكن المبتدع يرى نفسه أحسن من غيره من المستقيمين على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ولذلك كانت البدعة أخطر من المعصية والكبيرة، ولا يزال المبتدع يبتعد عن الإسلام ببدعة شيئاً فشيئاً، لأن البدع كما قال أهل العلم تبدأ بشبرٍ عن الإسلام فتنتهي إلى آفاقٍ بعيدة، وإلى أرض لا علاقة لها بالإسلام والدين، كما هو معلوم في أحوال البدع وأهلها عافنا الله وإياكم منها.
من الفساد في الأرض الكبائر والفواحش؟
وبعد البدع تأتي الكبائر والفواحش التي يجب أن يتطهر منها المسلم، وفي آية جامعة من سورة الأعراف يذكر الله عز وجل فيها هذه المحرمات فيقول جل في علاه: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)سورة الأعراف.
قل إنما حرَّم ربي الفواحش جمع فاحشة وهو ما عظم من الذنب وقبح في العقول، وفي الشرائع العقول والفطر المستقيمة تستقبح هذا الذنب، كالربا والزنى وشرب الخمر وغيره ما ظهر منها وما بطن، سواء كانت هذه الفاحشة يفعلها الإنسان جهاراً نهاراً، أو يفعلها في السر هي محرمة، لكن في المجاهر أعظم، الذي يجاهر بشرب الخمر، الذي يجاهر بالتدخين في الأسواق، وأمام الناس، وهذا أمر قبيح، وهو محرم أيضا ولو كان سرا.
وقال بعضها للتفسير ما ظهر منها وما بطن أي الفواحش التي تظهر على الجوارح، وما بطن ما يكون في القلوب، الفواحش المنكرة التي تكون في القلوب، كالكبر والعجب، إنسان معجب بنفسه متكبر، كالحسد، كالحقد على المسلمين وإخوانه المؤمنين، وهكذا تكون الفواحش القلبية، ولا شك أن القلب إذا صلح صلحت الجوارح، قال ﷺ:”ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ”رواه مسلم.
والبغي، البغي هو الظلم والتعدي على الغير، سواء كان في الأعراض أو في الأموال أو في الدماء، تطاول اعتداء على الناس في أموالهم وأعراضهم، أو في دمائهم والعياذ بالله البغي والظلم، من المحرمات العظيمة بل هو ذنب يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا، سبحان الله كل ظالم كل باغ يعجل الله تعالى له العقوبة في الدنيا مع ما ينتظره في الآخرة، إذا لم يتب إذا لم يرجع إلى ربه عز وجل، والإثم كل الذنوب والآثام أو كل ما يؤدي إلى ارتكاب الإثم والأوزار.
أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، محرم في جميع الشرائع الشرك بالله، أن تدعوا مع الله إلها آخر أن تعبد مع الله إلهاً آخر، هذا من أعظم المحرمات.
وقال العلماء أن الله عز وجل رتب المحرمات من الأدنى إلى الأعلى إلى الأعلى، فجعل الشرك هو الرابع وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، القول على الله بغير علم أعلى من الشرك؟ نعم لماذا؟ لأن الشرك سببه القول على الله بغير علم، لما قال المشركون إن آلهتنا تنفع وتضر، هل لكم من سلطان بهذا القول؟ هل لهم من علم أو بينة؟ فكان القول على الله بغير علم سبب الشرك وسبب الكفر.
واحذر يا عبد الله أن تتكلم في كتاب الله بغير علم، احذر يا عبد الله أن تقول هذا حلال أو هذا حرام بغير بينة ولا دليل، لأن هذا من المحرمات العظيمة عند رب العالمين.
من الفساد في الأرض وسائل التواصل وأكل أموال الناس بالباطل؟
تهدد اليوم المجتمعات أنواع الفساد والشر في الأرض عبر وسائل كثيرة، عبر وسائل التواصل وغيرها، وقد يجد الإنسان نفسه غريباً في مثل هذه الظروف، عليه الاستمساك بدينه والفرار من مواقع الشر والفتن والفساد.
قال ﷺ “سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ”رواه البخاري، من يرفع رأسه لها من يريد أن يطلع إلى ما فيها بس أفتح الموقع بس أرى إيش موجود، من يستشرف لها تستشرف، ومن وجد معاذا فليعوذ به ابتعد! عوّذ نفسك من مواقع الشر والفتن، إلزم أهل الخير وعاداتهم وأحوالهم، إلزم كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
وإن أيضا من الفساد الذي حرمه الله عز وجل أكل أموال الناس بالباطل، وله صور كثيرة منها أخذ الرشوة، الموظف الذي يأخذ الرشوة إثناء عمله، أو تكون له سلطة فيستولي على المال العام، أو يعين أحبابه وأقاربه وجماعته دون الأكفاء من المسلمين، كلها تعدي كلها محرمات، اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأسْدِ، يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ، قالَ عَمْرٌو: وَابنُ أَبِي عُمَرَ، علَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، قالَ: فَقَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ، “فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه، وَقالَ: ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ ” رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام “إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ” رواه الإمام البخاري، رجالاً يتخوضون يأكلون! لا يبالون، مال الله لا حق لهم فيه، بل تعدي نعم تكون أموال المسلمين العامة أو رشوة أو غير ذلك، يتخوض والخوض هو الذي يدخل في الماء، يخوض في الماء يقول الرسول ﷺ فلهم النار يوم القيامة عفانا الله وإياكم.
الواجب على كل مسلم؟
واجب على الأمة أن تكون آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، حتى لا تبقى المنكرات، فمكافحة المنكرات مطلوبة، يا عبد الله جعلك الله من خير أمة أخرجت للناس قال عز وجل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) سورة آل عمران.
الرسول ﷺ اسمع ما يقول يروي الصديق أبو بكر رضي الله عنه عن النبي ﷺ يقول “إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا المنْكرَ فلم يغيِّروهُ أوشَكَ أن يعمَّهم اللَّهُ بعقابِ من عندِهِ” رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، أي أوشك الله أن يعمهم بعقاب ولإنكار المنكر ضوابط شرعية ذكرها أهل العلم.