أضاف الخضر إحداث العيب في السفينة لنفسه فقال : ( فأردت أن أعيبها ) تأدبا مع الله عز وجل حتى لا ينسب إليه سبحانه إعابة السفينة ، وقال في تعليل قتل الغلام : ( فأردنا أن يبدلهما ربهما ) ناسبا الإرادة إلى نفسه ليضيف القتل إلى نفسه ، ونسب التبديل لله تعالى لأنه القادر على ذلك ، وقال في الغلام : ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) لأن ذلك لم يحدث بعد ، فهو من الغيب الذي لا يعلمه ، ولا يملكه إلا الله تعالى .

جاء في تفسير القرطبي :

إن قال قائل : كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله تعالى , وقال في خرق السفينة : ” فأردت أن أعيبها ” فأضاف العيب إلى نفسه ؟ قيل له :
إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله تعالى لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل غيب من الغيوب , فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى , وإن كان الخضر قد أراد ذلك فالذي أعلمه الله تعالى .

وقيل : لما كان ذلك خيرا كله أضافه إلى الله تعالى ، وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب ، لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه , كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله : ” وإذا مرضت فهو يشفين ” فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى , وأسند إلى نفسه المرض , إذ هو معنى نقصى ومصيبة , فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح , وهذا كما قال تعالى : ” بيدك الخير [ آل عمران : 26 ] واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه , وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع , إذ هو على كل شيء قدير , وهو بكل شيء خبير ، ولا اعتراض بما حكاه عليه السلام عن ربه عز وجل أنه يقول يوم القيامة : ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ) فإن ذلك تنزل في الخطاب ، وتلطف في العتاب ، مقتضاه التعريف بفضل ذي الجلال ، وبمقادير ثواب هذه الأعمال ، ولله تعالى أن يطلق على نفسه ما يشاء , ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة والأفعال الشريفة جل وتعالى عن النقائص والآفات علوا كبيرا . وقال في الغلام : ” فأردنا ” فكأنه أضاف القتل إلى نفسه , والتبديل إلى الله تعالى .

وجاء في تفسير ابن كثير :-

هاهنا – يقصد في شأن الجدار ، حيث قال الله تعالى : ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) أسند الإرادة إلى الله تعالى لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله ، وقال في الغلام ” فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة ” وقال في السفينة ” فأردت أن أعيبها ” فالله أعلم .

وقال ابن الجوزي في زاد المسير:-

وإنما قال الخضر مرة فأردت ، ومرة فأردنا ، ومرة فأراد ربك لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتفاقه مع تساوي المعاني لأنه أعذب على الألسن ، وأحسن موقعا في الأسماع ، فيقول الرجل قال لي فلان كذا ، وأنبأني بما كان وخبرني بما نال .