يجوز للمعتدى عليه أن يأخذ مالا مقابل ما أصابه من ضرر، وإن كانت الجناية عليه عمدا فلا حرج عليه أن يأخذ زيادة على الدية المقدرة لجراحته، وفي الجناية الخطأ يجوز الصلح عن الدية إن كانت من غير جنسها، ولا يجوز الصلح عن أكثر من الدية إن كانت الزيادة من جنسها وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة، وذهب الحنفية إلى جواز الصلح على أكثر من الدية في الجناية الخطأ حتى وإن كانت الزيادة من جنسها.

حكم أخذ الدية لما دون النفس؟

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
يجوز للشخص المعتدى عليه أخذ المال الذي دفع له مقابل إصابته في الشجار ويعتبر هذا المال عند الفقهاء دية فيما دون النفس وهو أمر مشروع عند جماهير فقهاء المسلمين فقد أجازوا أخذ الدية في الجناية على ما دون النفس ، والمراد بذلك الجناية على أعضاء جسم الإنسان كقطع يده أو رجله أو إصابة عينه أو أذنه أو أنفه أو جرحه … الخ . ويدل على ذلك أدلة كثيرة منها :

-ما ورد في حديث عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن الرسول كتب له في كتابه :[ وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الرجل الواحدة الدية] رواه النسائي ومالك في الموطأ وصححه أحمد والحاكم وابن حبان وغيرهم .

-وعن أبي شريح الخزاعي قال : سمعت رسول الله يقول: (من أصيب بدم أو خبل -والخبل الجراح- فهو بالخيـار بـيـن إحدى ثلاث : إمـا أن يـقـتـص أو يـأخذ العقل- الدية – أو يعفو فإذا أراد رابعة فخذوا على يديه) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة .

-وما ورد في الحديث أيضاً: (… وفي كل إصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل … ) وهو جزء من الحديث الأول .

وبناء على ما سبق يجوز أخذ المال إذا كان تقدير ذلك المال مستنداً لما ورد في الشرع من الدية فيما دون النفس. انتهى..

ففي الجناية التي توجب القصاص سواء كانت على النفس أو على ما دون النفس يجوز الصلح بأكثر من الدية أو أقل منها.

حكم أخذ العوض في الجناية على النفس دون القتل؟

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: يجوز الصلح عن قود نفس ودونها ، وعن سكنى دار ونحوها ، وعن عيب في عوض أو معوض ; قطعا للخصومة والمنازعة . ومتى صالح عما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقل جاز . لقوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} فقوله عز وجل { فمن عفي له } أي : أعطى له . كذا روي عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وقوله عز شأنه { فاتباع بالمعروف } أي: فليتبع ” مصدر بمعنى الأمر ” فقد أمر الله تعالى الولي بالاتباع بالمعروف إذا أعطي له شيء ، واسم الشيء يتناول القليل والكثير ، فدلت الآية على جواز الصلح عن القصاص على القليل والكثير .

وقال الزيلعي : ولأن القصاص حق ثابت في المحل ، ويجري فيه العفو مجانا ، فكذا تعويضا لاشتماله على الأوصاف الجميلة من إحسان الولي ، وإحياء القاتل . . . والكثير والقليل سواء في الصلح عن القصاص ; لأنه ليس فيه شيء مقدر ، فيفوض إلى اصطلاحهما ، كالخلع على مال . انتهى..

أما إن كانت الجناية خطأ -سواء كانت على النفس أو على ما دون النفس- فقد ذهب فقهاء الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يجوز الصلح بأكثر من الدية إذا كانت من جنسه، لأن الدية قد ثبتت في الذمة مقدرة، والصلح بأكثر منها من جنسها فيه أخذ للحق وزيادة وهذه الزيادة لا مقابل لها ومن ثم فهي أكل لمال الناس بالباطل، أما إذا صالحه على غير جنسها بأكثر من قيمتها ، فيجوز؛ لأنه بيع ، ويجوز للمرء أن يشتري الشيء بأكثر من قيمته أو أقل ؛ ولأنه لا ربا بين العوض والمعوض عنه وأجاز الحنفية في الجناية الخطأ الصلح بأكثر من الدية حتى وإن كانت من جنسها ؛ لأنه يأخذ عوضا عن المتلف فجاز أن يأخذ أكثر من قيمته.

جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي: (إن صالح عن قتل الخطأ بأكثر من ديته من جنسها ، لم يجز . وكذلك لو أتلف عبدا أو شيئا غيره ، فصالح عنه بأكثر من قيمته من جنسها ، لم يجز . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : يجوز لأنه يأخذ عوضا عن المتلف ، فجاز أن يأخذ أكثر من قيمته ، كما لو باعه بذلك . ولنا، أن الدية والقيمة ثبتت في الذمة مقدرة ، فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها ، كالثابتة عن قرض أو ثمن مبيع ، ولأنه إذا أخذ أكثر منها فقد أخذ حقه وزيادة لا مقابل لها ، فيكون أكل مال بالباطل. فأما إن صالحه على غير جنسها ، بأكثر قيمة منها ، جاز ؛ لأنه بيع ، ويجوز أن يشتري الشيء بأكثر من قيمته أو أقل).

وجاء في كتاب كشاف قناع للبهوتي الحنبلي -: وإن صالحه عن دية الخطإ وقيمة المتلف بعرض قيمته أكثر من دية الخطإ أو قيمة المتلف صح الصلح فيهما -أي: في مسألة الدية ومسألة القيمة- ؛ لأنه لا ربا بين العوض والمعوض فصح، كما لو باعه ما يساوي خمسة بدرهم .