في كتب اللغة أن ( عتِه ) بفتح أوله وكسر ثانيه ( عتهًا ) بفتح الأول والثاني من باب تعب، بمعنى نقص عقله من غير جنون، أو بمعنى دهش وفي التهذيب المعتوه المدهوش من غير مس أو جنون - ودهش دهشًا من باب تعب، ذهب عقله حياء أو خوفًا .
والإنسان قد يولد مجردًا من العقل، كمن يولد فاقدًا حاسة البصر، وقد يولد ومعه عقله، لكن يعترضه ما يوقف العقل عن سيره في أول أدوار حياته، أو بعد ذلك بقليل أو كثير من الزمن ، وقد يولد سليم العقل، ويساير عقله جسمه في النمو حتى يبلغ رشيدًا، ثم يعتوره مرض يذهب بالعقل كله أو بعضه، أو يذهب به في بعض الأزمنة دون بعض .
وقد تردد في كتب الفقه وأصوله لفظان يصفان حالة الإنسان الذى يكون بهذه الحال، الجنون والعته، لكن الفقهاء لم يبينوا أهما حقيقة واحدة يندرج تحتها نوعان، أو هما حقيقتان متغايرتان .
وفي معنى العته تباين الفقهاء واختلفوا في تفسيره اختلافًا كثيرا، وأحسن ما قيل فيه أنه هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون .
وبهذا يفترق العته عن الجنون، إذ الأخير موجب لعدم العقل ، أما الأول فموجب لنقصانه، وبذلك يمكن القول إن فاقد العقل ، أو ناقصه أو مختله، سواء أكان هذا الوصف ثابتصا لاصقًا به من أول حياته أو كان طارئًا عليه بعد بلوغه عاقلاً إن كانت حالته حالة هدوء فهو المعتوه في اصطلاح الفقهاء، وإن كانت حالته حالة اضطراب فهو المجنون .
والمعتوه بهذا الوصف قسمان مميز وغير مميز، فإن كان مميزا فحكم تصرفاته حكم الصبي المميز، وإن كان دون ذلك كانت أحكامه أحكام الصبي غير المميز .
وجملة أحكام الصبي في العقود والتصرفات أنه إذا كان غير مميز، بأن كان دون سن السابعة من عمره لا ينعقد شىء من تصرفاته أما إذا كان مميزًا بأن بلغ هذه السن فما فوقها دون البلوغ .
حكم تصرفات المعتوه
تصرفات المعتوه ثلاثة أقسام :
الأول - أن يتصرف تصرفًا ضارًا بماله ضررًا ظاهرًا - كالطلاق والقرض والصدقة، وهذا لا ينعقد أصلا فلا ينفذ ولو أجازه الولى .
الثاني – أن يتصرف تصرفًا نافعًا نفعًا بينًا - كقبول الهبة ، وهذا ينعقد وينفذ ولو لم يجزه الولى، وكإجارته نفسه للعمل بأجرة مثله وعمله فعلا فيما استؤجر عليه .
الثالث – أن يتردد بين النفع والضرر - كالبيع والشراء، باحتمال كون الصفقة رابحة أو خاسرة، وهذا القسم ينعقد موقوفًا على إجازة الولى، وليس للولى أن يجيزه إذا كان فى الصفقة التى عقدها الصبى المميز غبن فاحش، ومثل هذا عقد الزواج، حيث يتوقف على إجازة الولى أو إذنه .
ويجرى فقه الإمامين مالك وأحمد - فى الجملة - على نحو هذه الأحكام أما فقه الإمام الشافعي فلم يعتد بتصرف الصبي سواء كان مميزا أو غير مميز فلا تنعقد منه عبارة، ولا تصح له ولاية، لأنه مسلوب العبارة والولاية لما كان ذلك وكان من شروط صحة عقد الزواج ولزومه ونفاذه بترتب آثاره عليه - أن يكون كل من العاقدين كامل الأهلية ( بالغا عاقلا ) - فإذا باشر المعتوه - رجلا أو امرأة - عقد زواجه كان عقده موقوفا على إجازة وليه إذا كان مميزا، أما إذا كان غير مميز وقع عقده باطلا ولا تلحقه إجازة الولي - كالصبي تماما في أحكامه المتقدمة .
هل يجوز للمعتوهة أن تزوج نفسها
إذا كانت قد بلغ العته بها درجة إسقاط التمييز ؛لم يجز لها أن تباشر أي تصرف ؛ ومن ذلك عقد تزويج نفسها، فإذا باشرته وهي غير مميزة وقع العقد باطلا ، والأمر في هذا إلى القاضي صاحب الاختصاص، لأنه لا ينبغي أن يبت في أمر ضعيف العقل ومختله، إلا بعد أن يمتحن ويتحرى حاله، وصاحب الولاية في هذا هو القاضي، وله أن يستعين بأهل الخبرة في تبيان وتحديد حالة المسئول عنها العقلية، فإذا ظهر أنها غير مميزة قطعا، كان عقد زواجها الذى باشرته باطلا لا يجيز معاشرتها كزوجة شرعًا، ويعتبر من يعاشرها بمقتضى هذا العقد زانيا، والقاعدة الموضوعية للقضاء في هذا أرجح الأقوال في فقه الإمام أبي حنيفة، هذا ولا يباشر تزويج المعتوه سواء كان مميزًا أو غير مميز إلا ولى نفسه شرعًا، الأب ثم الجد لأب ثم باقي العصبة بترتيب الميراث أو القيم الذي يأذنه القاضي المختص بالتزويج، أو ذات القاضي صاحب الولاية في أمور عديمي الأهلية .