يقول د. الشيخ محمد الحمود النجدي:

من حكمة الله تبارك وتعالى اختلاف الليل والنهار وتعاقب الفصول في السنة قال عز وجل: (  إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَاب ) آل عمران.

فيها حِكَمٌ يُدرِكُها أو يُدرِكُ بعضَها الإنسان فالإنسان يستطيع أن يقضِي من الحوائِج في النهار ما لا يقضِيه في الليل ويستطيع أن يفعل في الشتاء ما لا يفعله في الصيف وفي تغير واختلاف الفصول دفعٌ للملل الذي قد يصيب الإنسان إذا سار على نمطٍ واحد وغير ذلك من الحكم التي نعلم بعضها ويخفى علينا كثيرٌ منها.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الشتاء مرة واحدة في كتابه قال تعالى: ( لإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) كان لقريش رحلتان رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، والشتاء فصل تشتد فيه البرودة وتكثر فيه الأمطار والرياح الباردة وغير ذلك من الأحوال الجوية التي جعل الله سبحانه وتعالى لها أحكاماً فالمسلم خصه الله سبحانه وتعالى بدين عظيم بشريعة غراء كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه فمن ذلك أن الرسول حث على إسباغ الوضوء على المكاره.

من أحكام الشتاء ورخصه؟

من أحكام الشتاء قال : “ألا أدلُّكُم على ما يَمحو اللَّهُ بهِ الذُّنوبَ ويرفعُ الدَّرجاتِ قالوا بلى يا رسولَ اللَّهِ قال إِسباغُ الوضوءِ على المَكارِه وَكثرةُ الخُطا إلى المسجِدِ وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ فذلِكَ الرِّباطُ ثلاثَ مرَّاتٍ”، إن الإنسان يتوضى وضوءاً تاماً لا يستعجل ولا يتكاسل أو يتضايق من أن يعمم اليد مثلاً إلى المرفق يغسلها إلى المرفق لا يدع منها شيئاً ويتوضى ثلاثاً فإن هذا من أسباب تكفير الخطايا هو كفارة من الكفارات التي جعلها الله لك أيها المسلم في كل يوم وليلة.
وأيضاً فإن في فصل الشتاء شدة البرودة التي تبيح للإنسان المسلم أن يتيمم في بعض الأحوال

مثل ما حصل مع الصحابي الجليل عمر بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر قائد عظيم من قواد النبي فقد جاء أن عمروَ بنَ العاصِ في غزوةِ ذاتِ السلاسلِ صلى بأصحابِه بالتيممِ وكان جنبًا ، فذكروا ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا عمروُ صليتَ بأصحابِك وأنت جنبٌ ؟ فقال : نعم ، ذكرتُ قولَ اللهِ تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } فتيممتُ وصليتُ ، فضحك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقلْ شيئًا”.

قال أهل العلم اقرار موافقة وقد قال الله عز وجل (وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) سورة النساء. فالله عفى عن كمال الطهار عند وجود الضرورة أما إذا كان الإنسان في البيت وعنده ما يسخن به الماء وعنده ما يستره ما يباح له التيمم فلو قال والله أنا أريد أن أتيمم حتى أدرك الصلاة فلا يجوز، لا يجوز التيمم مع وجود الماء الذي تستطيع أن تغتسل بها أو تتوضى به.

أيضا من الأحكام في الشتاء أن المسلم يجوز له المسح على الخفين خصوصا في أيام البرد الشديد طبعا المسح على الخفين لا يشترط له أن يكون هناك برد شديد هو رخصة من الله عز وجل جاء في حديث مسلم عن المغيرة ابن شعبة قال كُنْتُ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ في سَفَرٍ، فَقالَ: أمعكَ مَاءٌ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عن رَاحِلَتِهِ، فَمَشَى حتَّى تَوَارَى عَنِّي في سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فأفْرَغْتُ عليه الإدَاوَةَ، فَغَسَلَ وجْهَهُ ويَدَيْهِ، وعليه جُبَّةٌ مِن صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ منها، حتَّى أخْرَجَهُما مِن أسْفَلِ الجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ برَأْسِهِ، ثُمَّ أهْوَيْتُ لأنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقالَ: “دَعْهُمَا؛ فإنِّي أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْنِ”، فَمَسَحَ عليهمَا.

فيجوز الإنسان أن يلبس الخفين ومثلهم الجوربين الساترين جورب يستر إلى الكعب ليس قصيراً يظهر فيه الكعب ويستر الرجل فيجوز أن يتوضى ثم يلبسه وقد جعل الرسول المدة للمقيم يوماً وليلاً وللمسافر ثلاثة أيام تبدأ المدة من أول المسح لو لبس الإنسان الجور بالفجر ومسح الظهر فإن المدة تبدأ من الظهر إلى الظهر من اليوم التالي.

هذا بالنسبة للمقيم وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن يجوز للإنسان أن يمسح على الجورب ولو كان فيه خرق لو كان فيه شق لا مانع أيضا خلع الجورب لا ينقض الوضوء على الصحيح ليس من نواقض الوضوء، فانتهاء المدة ليس من نواقض الوضوء،فإذا انتهت المدة وأنت على طهارة يجوز لك أن تصلي بهذه الطهارة لأن انتهاء المدة ليس من نواقض الوضوء.

من الأحكام في الشتاء جواز الجمع بين الصلاتين في المطر المطر الذي يبلُّ الثياب وتحصل منه الوحول في الطريق وما أشبه ذلك كذلك في البرد الشديد والرياح الشديدة يجوز الجمع وإذا لم يستطع الإنسان أن يصل إلى المسجد، فلو جاء بردٌ شديدًا وجاء مطرٌ شديدٌ ولا يستطيع الإنسان أن يصلي في الجماعة في المسجد جاز له أن يصلي ببيته هذه رخصة وجاء في حديث ابن عمر في الصحيح أن النبي أمر المنادي أن يقول في ليلة باردة ذات ريح شديدة ألا صلوا في رحالكم.

من غنائم الشتاء؟

من الغنائم في الشتاءالصيام وقيام الليل فالرسول قال في حديث الترمذي الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة لأن النهار قصير ولأن الإنسان لا يشعر بالعطش.

وأيضاً من الغنائم في الشتاء طول الليل لمن أراد أن يقوم شيئاً من الليل والليل طويل والإنسان يشبع من النوم فلو خصص عشر دقائق قبل صلاة الفجر لركعتين في جوف الليل يسمع الله عز وجل فيه دعائك، فالله جل في علاه ينزل في هذه الساعة إلى السماء الدنيا فيقول “هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له” وهو الغني عن عباده ويقول لعباده اسألوني استغفروني، كم نغفل عن هذه الساعات العظيمة المباركة وربما أحدنا جالس في هذه الساعة ليس عنده شيء إلا اللهو وما عند الله خير وأبقى.

ساعة مباركة يطول فيها الليل يذكر الله فيها العبد ربه سبحانه وتعالى ويدعوه ويستجيب له.

أحكام البر والرحلات في الشتاء؟

في فصل الشتاء تكثر رحلات الناس والرحلات إلى البر والصحراء لها أحكام كثيرة نذكر ببعضها:
-منها أن الإنسان إذا نزل منزلاً يذكر الله عز وجل بالدعاء – قال : “مَن نزل مَنْزِلًا فقال : أعوذُ بِكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ من شرِّ ما خَلقَ ، لَم يَضرَّهُ شَيءٌ حتى يَرْتَحِلَ مَن مَنْزِلِه” ذلك أحد التابعين نزل منزلاً فقرصته عقرب قال فتذكرت فإني لم أقل ذلك الدعاء في تلك الليلة أو في ذلك الوقت.

-ومن الأحكام أيضاً أن الإنسان يؤذن في الصحراء في النزهة فيه أجر عظيم فقد قال لأبي سعيد الخدري: “إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبادِيَةَ، فإذا كُنْتَ في غَنَمِكَ وبادِيَتِكَ، فأذَّنْتَ بالصَّلاةِ، فارْفَعْ صَوْتَكَ بالنِّداءِ، فإنَّه لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شيءٌ إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيامَةِ”.

أجر عظيم للإنسان يذكر الله في مكان لا يذكر فيه الله عز وجل في الصحراء في البرية.

-من ذلك أيضاً أن المسلم لا يجوز له أن يصلي في مبارك الإبل فالنبي نهى عن الصلاة في مبارك الإبل في معاطن الإبل.

-ومن ذلك أيضًا الحذر من النار عند النوم أن الإنسان إذا نام لا يترك النار مشتعلة حتى في البيوت النبي نهى عن ذلك احترق بيت على أهله فقد احْتَرَقَ بَيْتٌ بالمَدِينَةِ علَى أهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بشَأْنِهِمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: “إنَّ هذِه النَّارَ إنَّما هي عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فأطْفِئُوهَا عَنْكُمْ”.

فكانت النار من الجمر أو من القاز أو ما أشبه ذلك لا يتركها الإنسان وينام فإن الفار أحياناً تكون سبباً في الحريق في البيت كما جاء في الأثر عن النبي .