قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت………..ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز :
الأحاديث الواردة في الصبر على البلاء فهي كثيرة:
-منها قوله ﷺ : أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل الحديث وهو حديث صحيح.
-منها قوله ﷺ مثلا : عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان رضي الله عنه.
-وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
-وقال سبحانه : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة نسأل الله أن يجعلنا وإخواننا من الصابرين إنه جواد كريم .
ومما ورد في الأحاديث في الصبر على البلاء قول النبي ﷺ : لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئةرواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة .
وبعض الناس يظن أن هذا الذي يصاب بالأمراض ونحوها مغضوب عليه وليس الأمر كذلك فإنه قد يبتلى بالمرض والمصائب من هو من أعز الناس عند الله وأحبهم إليه كالأنبياء والرسل وغيرهم من الصالحين كما تقدم في قوله ﷺ : أشد الناس بلاء الأنبياءالحديث وكما حصل لنبينا ﷺ في مكة وفي يوم أحد وغزوة الأحزاب وعند موته ﷺ وكما حصل لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام ، ولنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ، وذلك ليرفع شأنهم ويعظم أجورهم وليكونوا أسوة صالحة للمبتلين بعدهم .
وقد يبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن يظن أنه بذلك يكون محبوبا عند الله إذا لم يكن مستقيما على طاعته ، فقد يكون من حصل له ذلك محبوبا ، وقد يكون مبغوضا ، والأحوال تختلف والمحبة عند الله ليست بالجاه والأولاد والمال والمناصب وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح والتقوى لله والإنابة إليه والقيام بحقه وكل من كان أكمل تقوى كان أحب إلى الله .
وقد روى عن رسول الله ﷺ أنه قال : إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب وإنما يعطي الإيمان والدين من أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه فمن ابتلى بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله الأولى قال تعال : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) روى عن رسول الله ﷺ أنه قال : إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب على معصيته فاعلم أنما هو استدراج ثم قرأ قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي آيسون من كل خير والعياذ بالله .
ويقول جل وعلا : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ)
وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة منها رفع الدرجات وحط الخطايا كما تقدم بيان ذلك .أهـ
لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم. ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان أكثر مما يحصل لغيرهم ، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلـلُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها – عياذاً بالله.
ولابد للمسلم أن يستشعر الحكمة من البلاء لأن الله سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا. وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء- سواءً كان فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة- من خلال نصوص الكتاب والسنة على أنه:
1 – امتحان وابتلاء.
2 – هذا البلاء قسمة وقدر.
3 – أن هذا البلاء خير ونعمة بشرط.
4 – أن هذا البلاء محطة تمحيص وتكفير.
5 – أن هذا البلاء رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات.
6 – أن هذا البلاء علامة حب ورأفة.
وختاماً فعلى المؤمن أن يصبر على البلاء مهما اشتد فإن مع العسر يسراً ، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .
وأخيراً نسوق هدية وبشرى من رسول الله ﷺ أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ( إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل ، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ).