بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-

الراجح أن خروج الدم من الجسم لا يبطل الوضوء أيا كانت صفة خروجه كأن كانت عن طريق الفصد- وهو شق العرق لإخراج الدم منه- أو الحجامة – وهي استخراج الدم من الجسد بعد شرط الجسم بمشرط ونحوه- أو الرعاف – وهو خروج الدم من الأنف-، أو الجروح، أو أخذ عينات من الدم؛ لعدم وجود نص صحيح يوجب الوضوء من هذه الأمور.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي:-

مما اخْتُلف فيه من النواقض: القيء، والرعاف، وسيلان الدم من الجسم، كدم العضد والحجامة والجروح. فقد اختلف فيها الفقهاء. فمنهم من نقض بها مطلقا كالحنفية.
ومنهم من لم ينقض بها مطلقا كالمالكية والشافعية.
ومنهم من نقض بالكثير منها، كالحنابلة بالدم الكثير في المعتمد من المذهب.
والذي نرجحه هو عدم النقض بشيء من هذه الأشياء، قَلَّ ذلك أو كثر.
وذلك لأن نقض الوضوء أمر تعبدي لا يثبت إلا بالشرع ـ قرآن أو حديث صحيح ـ ولم يثبت شيء من ذلك. ولا مدخل للقياس هنا، لأن علة النقض غير معقولة.
قال النووي: وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأبو هريرة وعائشة وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد وطاوس وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود وقال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين.

قال الشوكاني في (السيل الجرار): –

(قد عرفنا فيما سلف أن الأصل في الأشياء الطهارة فمن ادعى نجاسة شيء من الأشياء فعليه الدليل فإن جاء بما يصلح للنقل عن هذا الأصل المصحوب بالبراءة الأصلية فذاك وإلا فلا قبول لقوله.
وهكذا من ادعى أنه ينقض الطهارة الصحيحة ناقض فعليه الدليل، فإن نهض به فذاك، وإلا فقوله رَدٌّ عليه.
وعرفناك أن الحدث مانع من الصلاة، فإذا ارتفع الحدث بالوضوء كان مرتفعا حتى يعود ذلك المانع ، ولم يأت من قال بأن خروج الدم ناقض بشيء يصلح للتمسك به. فدل ذلك على أن خروج الدم لا يبطل الوضوء.
وقد أخرج البخاري عن جابر: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرُمي رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد، ومضى في صلاته”. وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

وقد ثبت في روايات صحيحة: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الشِّعب فقال: من يحرسنا الليلة؟ فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بِفَم الشِّعب، فاقتسما الليلة للحراسة، وقام الأنصاري يصلي، فجاء رجل من العدو فرمى الأنصاري بسهم فأصابه فنزعه، واستمر في صلاته، ثم رماه بثان، فصنع كذلك، ثم رماه بثالث، فنزعه وركع وسجد، وقضى صلاته، ثم أيقظ رفيقه، فلما رأى ما به من الدماء قال له: لم لا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن لا أقطعها .
قال النووي: وموضع الدلالة: أنه خرج منه دماء كثيرة، واستمر في الصلاة، ولو نقض الدم لما جاز بعده الركوع والسجود وإتمام الصلاة، وعلم النبي بذلك ولم ينكره.

قال الشوكاني: –
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع على ذلك، ولم ينكر عليه الاستمرار في الصلاة بعد خروج الدم، ولو كان الدم ناقضا لبين له ولمن معه في تلك الغزوة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخوضون المعارك حتى تتلوث أبدانهم وثيابهم بالدم، ولم ينقل أنهم كانوا يتوضأون لذلك ولا سُمع عنهم أنه ينقض الوضوء.

والله أعلم .