يقول الدكتور يوسف القرضاوي في العرف
في هذه المنطقة – منطقة الفراغ من النصوص الملزمة – يتسع المجال للأخذ بالعرف – ونعني بالعرف: ما اعتاده الناس، وتواضعوا عليه، في شئون حياتهم، حتى أنسوا به واطمأنوا إليه، وأصبح أمرًا معروفًا، سواء أكان عرفًا قوليًا، أم عمليًا، عامًا أم خاصًا.
فالعرف القولي: مثل تعارف الناس على أن السمك لا يسمى لحمًا، وعلى إطلاق “الولد” على الذكر دون الأنثى، على خلاف اللغة.
والعرف العملي: مثل تعارفهم على البيع بالمعاطاة، من غير صيغة إيجاب وقبول لفظية.
والعرف العام: ما يتعارف عليه كافة الناس على اختلاف طبقاتهم في كافة البلاد والأقطار.
والعرف الخاص: ما يتعارف ويشيع في بعض الأقطار أو بعض البلاد دون بعض، أو يختص ببعض الفئات، كالعرف التجاري بين التجار، والعرف الزراعي بين الزراع . . وهكذا.

العرف قبل الإسلام وبعده

عندما جاء الإسلام كانت للعرب أعراف مختلفة، فأقر منها ما كان صالحًا ويتلاءم مع مقاصده ومبادئه، ورفض ما ليس كذلك، وأدخل على بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات، حتى تتمشى مع اتجاهه وأهدافه.
وقد ترك الشرع أشياء كثيرة لم يحددها تحديدًا جامدًا صارمًا، بل تركها للعرف الصالح، يحكم فيها ويعين حدودها وتفاصيلها، كما في قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (البقرة: 233)، وقوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف) (البقرة: 241) فالعرف هو المحكم في تحديد النفقة للمرأة، والمتعة للمطلقة.
ومثل ذلك تحديد معنى التفرق في حديث: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا” (متفق عليه) ومعنى الإحياء في حديث: “من أحيا أرضًا ميتة فهي له” (رواه أبو داود والترمذي وحسنه)، ومعنى “الحرز” في السرقة، ومعنى “القبض” في البيع والهبة ونحوهما ؛ وذلك لأن الشارع ذكر حكمًا ولم يبينه، فدل على أنه تركه لعرف الناس، كما قال ابن قدامة وغيره من الحنابلة. (انظر: المغني جـ 3 ص 505، والكافي جـ 2 ص 29، 55، ومنار السبيل جـ 2 ص 387 – 388).

العرف في الفقه الإسلامي

نوه عامة الفقهاء بالعرف، وبنوا عليه كثيرًا من الأحكام، واستشهدوا له بما جاء عن ابن مسعود – رضي الله عنه -: “ما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن” (رواه أحمد في كتاب “السنة” وليس في مسنده كما وهم بعضهم، وأخرجه البزار والطيالسي والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الاعتقاد، كلهم عن ابن مسعود موقوفًا . وروي مرفوعًا عن أنس بإسناد ساقط . انظر كشف الخفاء ومزيل الإلباس حديث رقم 2214). وقد ظن بعضهم هذا النص حديثًا مرفوعًا، وإنما هو من كلام ابن مسعود.
ومن القواعد الفقهية المشهورة: “العادة محكمة” (انظر: الأشباه والنظائر ” لابن نجيم ” ص 46 – 52)، ومن فروعها: “المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا”، “التعيين بالعرف كالتعيين بالنص”، “الممتنع عادة كالممتنع حقيقة”.
وقال بعض الناظمين في الفقه:.
والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يُدار.
ورعاية العرف في هذه الحالة إنما هي نوع من رعاية المصلحة أيضًا ؛ إذ من مصلحة الناس أن يقروا على ما ألفوه وتعارفوه، واستقر عليه أمرهم على مر السنين والأجيال، فقد أصبح إلفهم واستقرارهم على عاداتهم حاجة من حاجاتهم الاجتماعية يعسر عليهم أن يتركوها، ويعنتهم أن يتخلوا عنها.
وقد جاء الدين بالتيسير، ورفع الحرج والعنت عن الأمة، قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185)، وقال: (هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج: 78)، وقال – -: “إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين” (رواه الترمذي عن أبي هريرة).

ما هي شروط اعتبار العرف

إنما يعتبر العرف إذا لم يصادم نصًا ثابتًا أو إجماعًا يقينيًا، وكذلك إذا لم يكن من ورائه ضرر خالص أو راجح، فأما العرف المصادم للنصوص الذي يحل الحرام، أو يبطل الواجبات، أو يقر البدع في دين الله، أو يشيع الفساد والضرر في دنيا الناس، فلا اعتبار له، ولا يجوز أن يراعي في تقنين أو فتوى أو قضاء.

هل تتغير الأحكام بتغير العرف

الأحكام المبنية على العرف تتغير بتغيره مكانًا، وزمانًا. (علم أصول الفقه لخلاف ص 91).
فمن التغير المكاني: ما ذكر الشاطبي مثلاً له: كشف الرأس، قال: “فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد الشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحًا في العدالة، وعند أهل المغرب غير قادح”. (مالك – لأبي زهرة ص 451، وقد نقل ذلك عن الموافقات جـ 2 ص 198).
ومن التغير الزماني: ما ذكره القرافي في “الأحكام” عن مالك: “إذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول، فالقول قول الزوج مع أن الأصل عدم القبض”.
وعلق القاضي إسماعيل – من فقهاء المالكية – على ذلك بقوله: “هذه كانت عادتهم بالمدينة: أن الرجل لا يدخل بامرأته حتى تقبض جميع صداقها، واليوم عادتهم على خلاف ذلك، فالقول قول المرأة مع يمينها، لأجل اختلاف العادات”. (مالك – لأبي زهرة ص 452).
وبناء على اعتبار العرف الخاص قال العلامة ابن نجيم الحنفي: “ينبغي أن يفتى بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم ويصير الخلو في الحانوت حقًا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها، ولا إجارتها لغيره، ولو كانت وقفًا” (الأشباه والنظائر: ص 52).
وناقشه بعض المحشين: كيف ينبغي أن يفتي به، مع كونه مخالفًا للقواعد الشرعية ؟ (حاشية الأشباه).

وفي الجملة نقول:ـ
العرف لايعتد به إلا إذا لم يصطدم بنص شرعى أو إجماع سابق وكان فيه مصلحة حقيقية للناس أما إذا اصطدم بالنص الشرعى أو المقاصد العامة للشريعة الإسلامية فلا يعتد به ولا يحل العرف حرامًا ولا يحرم حلالا فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله وليس ما أحله الناس أو حرموه.