الرعاف هو الدم النازل من الأنف ،وسمي رعافًا لأنه يسبق علم الشخص الذي ينزل منه الدم ،وهو في أصل اللغة يعني السبق ،وقد اختلف الفقهاء في حكم الرعاف هل هو ناقض للوضوء أم لا ؟

فذهب المالكية والشافعية إلى أن الرعاف غير ناقض للوضوء على الإطلاق ،وهو قول أكثر الصحابة ،واشترط الحنابلة لكون الرعاف ناقضًا أن يكون كثيرًا ،ويرى الأحناف أن الرعاف ناقض للوضوء ، والأخذ برأي الشافعية والمالكية وأكثر الصحابة أيسر على الناس، وقد يعتبر الرعاف من الأعذار التي تبيح للإنسان أن يتوضأ في وجوده ،قياسًا على سلس البول وسلس المني وغيرهما، إذا أشبه السلس .

وقد جاء في الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية ما نصه بتصرف:

ذهب المالكية والشافعية إلى أن الوضوء لا ينتقض بخروج شيء من غير السبيلين كدم الفصد ، والحجامة ، والقيء ، والرعاف ، سواء قل ذلك أو كثر ; لما روى أنس رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه . } وبهذا قال عمر ، وابن عباس وابن أبي أوفى ، وجابر وأبو هريرة ، وعائشة وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر ، والقاسم بن محمد ، وطاوس ، وعطاء ، ومكحول وربيعة ، وأبو ثور.

قال البغوي : وهو قول أكثر الصحابة .

ويرى الحنابلة أن الرعاف لا ينقض الوضوء إلا إذا كان فاحشا كثيرًا ، أما كون الكثير ينقض الوضوء ، فلقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة لفاطمة بنت أبي حبيش عن دم الاستحاضة : إنما ذلك { عرق ، وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة } ، وفي رواية : { توضئي لكل صلاة . } ولأنه نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل . وأما كون القليل لا ينقض فلمفهوم قول ابن عباس في الدم إذا كان فاحشًا فعليه الإعادة .

قال أحمد : عدة من الصحابة تكلموا فيه ، وابن عمر عصر بثرة فخرج الدم فصلى ولم يتوضأ ، وابن أبي أوفى عصر دملاً ، وذكر أحمد غيرهما ، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعًا . ويرى الحنفية القائلون بنقض الوضوء بسيلان الدم عن موضعه أن الرعاف ينقض الوضوء ، وكذا لو نزل الدم من الرأس ” إلى ما لان ” من الأنف ” ولم يظهر على الأرنبة نقض الوضوء .

وهو مذهب الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق ، قال الخطابي : وهو قول أكثر الفقهاء ، وحكاه غيره عن عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهما ، وعن عطاء ، وابن سيرين ، وابن أبي ليلى . واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم { الوضوء من كل دم سائل } ووجه الاستدلال أن مثل هذا التركيب يفهم منه الوجوب .

كما احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم . } ونقل العيني أن وجه الاستدلال بالحديث من وجوه :

الأول : أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالبناء على ماسبق من الصلاة وأدنى درجات الأمر الإباحة والجواز ، ولا جواز للبناء إلا بعد الحكم على الوضوء بأنه انتقض.

والثاني : أنه أمر بالوضوء ومطلق الأمر للوجوب .

والثالث : أنه أباح الانصراف ، وهو لا يباح بعد الشروع إلا به .
هذا ومن يرى أن الرعاف ينقض الوضوء يعتبر الرعاف الدائم عذرًا من الأعذار التي تبيح العبادة مع وجود العذر .

وشرط اعتبار الرعاف عذرًا ابتداءً عند هؤلاء الفقهاء أن يستوعب استمراره وقت الصلاة كاملاً . بمعنى أن من حصل له الرعاف واستمر لم يجز له أن يصلي أول صلاة إلا في آخر وقتها ; لعدم ثبوت حكم دائم الحدث له ، واحتمال انقطاعه ، فإن استمر الحدث إلى آخر وقت الصلاة ثبت له حكم دائم الحدث ، فيصح أن يصلي الثانية أو ما بعدها في أول وقتها .

كما يشترط أن لا يمضي على الراعف وقت صلاة إلا والرعاف فيه موجود ، حتى لو انقطع الرعاف وقتًا كاملاً خرج من أن يكون صاحب عذر من وقت الانقطاع ومن به رعاف دائم يتوضأ لوقت كل صلاة ، ويصلي به ما شاء من الفرائض والنوافل ، هذا عند الحنفية والحنابلة إن خرج منه الدم ، أما إن لم يخرج منه شيء فلا يتوضأ عندهم .

وينتقض وضوء الراعف بخروج الوقت عند أبي حنيفة ، ومحمد ، والحنابلة ، وعند زفر ينتقض بدخول الوقت . وعند أبي يوسف بأيهما كان ، وهو قول أبي يعلى .

أما المالكية فإنهم يقولون : إن من رعف ” قبل الدخول ” في الصلاة ” فإنه يؤخر الصلاة لآخر الوقت الاختياري إذا كان يرجو انقطاع الرعاف ، أما إذا علم أنه لا ينقطع فإنه يصلي به على تلك الحال في أول الوقت ، إذ لا فائدة في تأخيره ، ثم إن انقطع في وقته ليست عليه إعادة .انتهى