وضحت لنا السنة المطهرة آداب قضاء الحاجة، وهذا يدلل على شمول الإسلام واهتمامه بالإنسان في كل الأحوال والأزمان، فما ترك من شيء إلا وضحه وبينه، حتى في هذه الأمور الفطرية، واهتمام الإسلام بها يفهم منه أنه أتي لتنظيم حياة الإنسان وعلاقته في حياته كلهاا سواء مع الله ، أو مع الناس أو مع نفسه وكل الكون المحيط به، ومن هذه الآداب تجنب استقبال القبلة أو استدبارها ، وتجنب مس العورة باليد اليمنى أو إزالة النجاسة بها ، والتحوط وستر العورة ، والذكر المسنون عند دخول الخلاء والخروج منه ، وتجنب السلام والكلام عند قضاء الحاجة ، وإزالة النجاسة بعناية ثلاثا ، وعدم استعمال العظم أو الروث في الاستجمار ، وتجنب البول في الماء الراكد: ـ

جاء في موسوعة الفتاوى المصرية الصادرة عن دار الإفتاء بالأزهر :

1- عدم استقبال قبلة الصّلاة عند البول والغائط (وقبلة المسلمين هي الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام بأمر من الله في مكة) وهذا من احترام القبلة وتعظيم شعائر الله وقد قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَتِهِ فَلا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا . رواه مسلم 389.

يقول الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :

روى مسلم وغيره أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)..يدل هذا الحديث على احترام القبلة فلا يكون الإنسان أثناء قضاء حاجته المعروفة متوجها إليها ولا موليا ظهره إياها .

وذلك أمر مندوب إليه وليس واجبا فلو لم يفعل ذلك لم يرتكب إثما بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتزمه، فقد روي الجماعة عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال قضيت يوما ببيت حفصة-وهي أخته أم المؤمنين-فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم علي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة .

ورأى جماعة من الفقهاء أن حرمة استقبال القبلة واستدبارها أو كراهته إنما يكون في الصحراء والخلاء حيث لا يوجد بناء ولا حواجز أما إذا كان ذلك في البنيان فلا حرمة ولا كراهة .

ومعلوم أن أماكن قضاء الحاجة في المدن وغيرها توجد في أبنية مستورة فلا ينطبق عليها هذا الحديث ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم بسند صحيح كما في فتح الباري لابن حجر أن ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقال له مروان أليس قد نهي عن ذلك؟ قال بلي إنما نهي عن هذا في القضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء فلا بأس .أهـ

2- أن لا يمسّ ذَكَرَه بيمينه وهو يبول لقوله صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ . ” رواه البخاري 150 .

3- أن لا يزيل النّجاسة بيمينه بل يستخدم شماله لمباشرة النجاسة في إزالتها للحديث المتقدّم ولقوله صلى الله عليه وسلم : ” إِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ . ” رواه البخاري 5199

ولما روته حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ . رواه الإمام أحمد وهو في صحيح الجامع 4912

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِذَا اسْتَطَابَ أَحَدُكُمْ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ ، لِيَسْتَنْجِ بِشِمَالِهِ . رواه ابن ماجة 308 وهو في صحيح الجامع 322

4- والسنّة أن يقضي حاجته جالسا وأن يدنو من الأرض لأنّه أستر وآمن من ارتداد رشاش البول عليه وتلويث بدنه وثيابه فإن أَمِن ذلك جاز البول قائما .

5- أن يستتر عن أعين الناس عند قضاء الحاجة وقد كان أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ ( أي مرتفع من الأرض أو حائط نخل وهو البستان ) . رواه مسلم ، وإذا كان الإنسان في الفضاء وأراد قضاء حاجة ولم يجد شيئا يستره فليبتعد عمن حوله من الناس لما رواه الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ رواه الترمذي

وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَلاءِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ . رواه النسائي 16 وهو في صحيح الجامع

6- أن لا يكشف العورة إلا بعد أن يدنو من الأرض لأنّه أستر لما رواه أَنَس رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الأَرْضِ رواه الترمذي 14 وهو في صحيح الجامع 4652 .

وإذا كان في مرحاض فلا يرفع ثوبه إلا بعد إغلاق الباب وتواريه عن أعين النّاظرين.

ومن هذه النقطة والتي قبلها يعلم كل مسلم أنّ ما يفعله كثير من النّاس في بلاد الغرب وغيرها من التبوّل وقوفا في المحلات المكشوفة داخل المراحيض العامة هو أمر مناف للأدب والحياء والحشمة والأخلاق الفاضلة الكريمة وتقشعرّ منه بدن كلّ صاحب فطرة سليمة وعقل صحيح ، إذ كيف يكشف الشّخص أمام النّاس عورته التي جعلها الله بين رجليه سترا لها وأمر بتغطيتها واستقرّ أمر تغطيتها عند جميع عقلاء البشر . وكذلك فإنّ من الخطأ أساسا بناء المراحيض بهذا الشّكل المُشين الذي يرى فيه مستعملوها بعضهم بعضا وهم يبولون متخلّفين في ذلك عن بعض البهائم التي من عادتها الاستتار عند التبوّل والتغوّط .

7-و من الآداب الشّرعية عند المسلمين أذكار معيّنة يقولونها عند دخولهم الخلاء وعند خروجهم منه وهي مناسبة تمام المناسبة للحال والمكان فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول الواحد منا عند دخول الخلاء : بسم الله ، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ، فيستعيذ بالله من كلّ أمر خبيث ومن كلّ شيطان وشيطانة ، وعند الخروج يسأل الله المغفرة بقوله : غفرانك .

8- الاعتناء بإزالة النجاسة بعد الفراغ من قضاء الحاجة لقوله صلى الله عليه وسلم محذّرا من التساهل في التطهّر من البول : ” أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ . ” رواه ابن ماجة 342 وهو في صحيح الجامع 1202 وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ . ” رواه البخاري 5592

9-أن يكون غسل النجاسة أو مسحها ثلاث مرات أو وترا بعد الثلاث بحسب ما تدعو إليه حاجة التطهير ، لما جاء عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُ مَقْعَدَتَهُ ثَلاثًا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَعَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ دَوَاءً وَطُهُورًا . رواه ابن ماجة 350 وهو في صحيح الجامع 4993 ، ولما رواه أبو هُرَيْرََةُ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا . ” رواه الإمام أحمد وحسنه في صحيح الجامع 375

10- أن لا يستعمل العظم ولا الرّوث في الاستجمار ( وهو إزالة النجاسة بالمسح ) . وإنما يستعمل المناديل والحجارة ونحوها . لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا وَلا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ .. الحديث رواه البخاري 3571

11- أن لا يبول الإنسان في الماء الراكد . لما رواه جَابِر رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ . ” رواه مسلم 423 ولأنّ في ذلك تنجيسا للماء وإيذاء لمستعمليه .

12- أن لا يبول في طريق النّاس ولا في ظلّ يستظلّ به النّاس ، لأنّ في ذلك إيذاء لهم ، وقد روى أبو هُرَيْرَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ قَالُوا وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ . ” رواه أبو داود 23 وهو في صحيح الجامع 110

13- أن لا يسلّم على من يقضي حاجته ولا يردّ السّلام وهو في مكان قضاء الحاجة تنزيها لله أنْ يُذكر اسمه في الأماكن المستقذرة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ . ” رواه ابن ماجة 346 وهو في صحيح الجامع 575 .

وجمهور العلماء على كراهية الكلام في الخلاء لغير حاجة .

كانت تلك طائفة من الآداب والأحكام التي وردت في شريعة الإسلام بشأن هذا الموضوع الذي يتكرر من كلّ إنسان يوميا فاعتنت به الشّريعة غاية الاعتناء وبيّنت فيه كلّ التبيين.