يقول المفسرون: إنّ النبيَّ ـ صلَّى الله عليه وسلّم لم ينطق عن الهوى والغرض في القرآن الذي يبلغه للناس، فهو وحيٌ من الله تعالى، بمعنى أن النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلم ـ إذا قال: قال الله كذا ، فإن ذلك عن صدق، وأن الكلام هو كلام الله، وليس كلام محمد نسبه إلى ربِّه ليكسبَ قَداسة، فإنه صلّى الله عليه وسلم لا يكتُم شيئًا ممّا أُمِرَ بتبليغه حتى لو كان على غير ما يحبه هو، ولذلك لما نزل قوله تعالى في حقّه: (عَبَسَ وتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى) بلغ ذلك ولم ينقص منه شيئًا مع أنه ضِد هواه وميله، لكن الحقّ لابد أن يتبع ويبلغ.
وهذا يلتقى مع قوله تعالى: ( تنزيلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (سورة الحاقة : 43 ـ 47) ومع قوله ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلِيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ) (سورة يونس : 15) .
فالقُرآن هو الوحي الذي يبلغه الرسول دون تغيير أو تبديل، ودون تدخُّل هواه فيه، أما ما يحكم به بين الناس فهو نطقه هو وكلامه هو إن كان حقًّا أيَّده الله فيه وسكت عنه، وإن كان غير ذلك أرشدَه، كما
في قوله تعالى: ( ولا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ولاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) (سورة التوبة : 84) بعد أن صلّى على قبر عبد الله بن أبيِّ كبير المنافقين.
والحديث النبوي معناه من الله ولفظه من النبي صلّى الله عليه وسلم فهو لا ينطق عن الهوى، إنْ هو إلا وحى يوحى، وإذا بلَّغه الرسول صحيحًا فبها، وإلا صحَّحه ربُّ العِزّة، وإذا لم يكن معنى الحديث من الله بل كان اجتهادًا، التزم فيه الرسول المصلحة العامة، وبخاصّة فيما يمس الناس، ويظهر ذلك في عرض مشروع الصلح في غزوة الخندق على السعدين، وقالا : هل هو أمر من الله فتتبعه، أو شئ تُحبُّه فنوافِقك عليه، أو هو لمصلحتنا؟ فقال:” بل لمصلحتكم” فلم يوافقوا عليه”انظر كتب السيرة.