القرين هو الصاحب الملازم، ومع كل إنسان قرينه مصاحب له، وبهذا جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة .
يقول الدكتور حسن عيسى عبد الظاهر من علماء الأزهر:
القرين هو الصاحب الملازم ، ومع كل إنسان قرين؛ فقد روى مسلم بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذكرت أن رسول الله ﷺ خرج من عندها ليلاً ، قالت : فغرت عليه ، فجاء ، فرأى ما أصنع فقال : مالك يا عائشة ؟ أغرت ؟ فقلت : ومالي لا يغار مثلي على مثلك ؟ فقال رسول الله ﷺ : أقد جاء شيطانك ؟ قالت : يا رسول الله أو معي شيطان ؟ قال : نعم قلت : ومع كل إنسان ؟ قال نعم ، قلت ومعك يا رسول الله ؟ قال : نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أَسلم ، ورجح القاضي عياض في الفتح وهو المختار ، أي انقاد وصار لا يأمر إلا بخير.
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ : ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، قالوا وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير، وفي الحديث : إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان
يقول الشيخ محمد صالح المنجد :
نعم ، هناك ما يسمَّى القرين ، وقد جعله الله تعالى مع كلِّ أحدٍ من الناس ، وهو الذي يدفع صاحبه للشر والمعصية ، باستثناء النبي ﷺ – كما سيأتي – .
قال الله تعالى : ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ . قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ . مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ) ق/27-29 .
قال ابن كثير :
{ قال قرينه } قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وغيرهم : هو الشيطان الذي وُكِّل به .
{ ربَّنا ما أطغيته } أي : يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامةَ كافراً يتبرأ منه شيطانه ، فيقول : { ربنا ما أطغيته } أي : ما أضللتُه .
{ ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ } أي : بل كان هو في نفسه ضالاًّ قابلاً للباطل معانداً للحقِّ ، كما أخبر سبحانه وتعالى في الآية الأخرى في قوله : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } إبراهيم/22 .
وقوله تبارك وتعالى : { قال لا تختصموا لديَّ } يقول الرب عز وجل للإنسي وقرينِه من الجن وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى فيقول الإنسي : يا رب هذا أضلَّني عن الذِّكر بعد إذ جاءني ، ويقول الشيطان : { ربَّنا ما أطغيتُه ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ } أي : عن منهج الحق .
فيقول الرب عز وجل لهما : { لا تختصموا لدي } أي : عندي ، { وقد قدمت إليكم بالوعيد } أي : قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل ، وأنزلت الكتب ، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين .
{ ما يبدل القول لديَّ } قال مجاهد : يعني : قد قضيتُ ما أنا قاض .
{ وما أنا بظلاَّم للعبيد } أي : لست أعذِّب أحداً بذنب أحدٍ ، ولكن لا أعذِّب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
” تفسير ابن كثير ” ( 4 / 227 ) .
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ : ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير .
وفي رواية : ” … وقد وكِّل به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكة ” .
رواه مسلم ( 2814 ) .
وبوَّب عليه النووي بقوله : باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قريناً .
قال النووي :” فأسلم ” برفع الميم وفتحها ، وهما روايتان مشهورتان ، فمن رفع قال : معناه : أسلم أنا من شرِّه وفتنته ، ومَن فتح قال : إن القرين أسلم ، من الإسلام وصار مؤمناً لا يأمرني إلا بخير .
واختلفوا في الأرجح منهما فقال الخطابي : الصحيح المختار الرفع ، ورجح القاضي عياض الفتح ، وهو المختار ؛ لقوله : ” فلا يأمرني إلا بخير ” ، واختلفوا على رواية الفتح ، قيل : أسلم بمعنى استسلم وانقاد ، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم : ” فاستسلم ” ، وقيل : معناه صار مسلماً مؤمناً ، وهذا هو الظاهر .
قال القاضي : واعلم أن الأمَّة مجتمعة على عصمة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه .
وفي هذا الحديث : إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه ، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان .
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال : ” إذا كان أحدكم يصلِّي فلا يدع أحداً يمرُّ بين يديه ، فإن أبى فليقاتلْه فإن معه القرين . رواه مسلم ( 506 ) .
قال الشوكاني :
قوله ” فإن معه القرين ” في القاموس : ” القرين ” : المقارن ، والصاحب ، والشيطان المقرون بالإنسان لا يفارقه ، وهو المراد هنا .