جاء في الحديث أن “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه” ولكن العلماء خصوا هذا الحديث بالذنوب التي بين العباد وبين ربهم، أم حقوق العباد وخصوصا الحقوق المالية منها فهذه لا يكفرها صلاة ولا صيام ولا حج بل ولا الشهادة في سبيل الله فقد جاء في الحديث الصحيح ( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) وحديث المفلس يوم القيامة دليل على ذلك أيضا.ـ
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتابه “الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 493)”:
“إن صحَّةَ التوبة فيما بينَه وبين الله لا تُسقط حقوقَ العباد مِن العقوبة المشروعة في الدنيا؛ فإنَّ مَن تاب مِن قتْلٍ، أو قذفٍ، أو قطْعِ طريق، أو غيرِ ذلك، فيما بينَه وبين الله – فإن ذلك لا يُسقط حقوقَ العباد من القَوَدِ، وحدِّ القَذْف، وضمانِ المال، وهذا السبُّ فيه حقٌّ لآدَمِيٍّ، فإنْ كانت التوبةُ يُغفَر له بها ذنبُه المتعلِّقُ بحقِّ الله وحقِّ عباده، فإنَّ ذلك لا يُوجِب سقوطَ حقوق العباد من العقوبة”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في “مجموع الفتاوى (18/ 341)”:
“فالواقفُ بعَرَفات لا يَسقُط عنه ما وَجَب عليه من صلاةٍ وزكاةٍ بإجماع المسلمين؛ بل هم متَّفقون على أنَّ الصلاة أَوْكَدُ من الحجِّ بما لا نسبة بينهما، فإن الحجَّ يجب مرَّةً في العُمر على المستطيع، والنبيُّ ﷺ لم يحجَّ بعد الهجرة إلا حجَّةً واحدة، وأما الصلاةُ فإنها فرضٌ على كل عاقل بالغ – إلا الحائضَ والنُّفَساء – سواءٌ كان صحيحًا أو مريضًا، آمنًا أو خائفًا، غنيًّا أو فقيرًا، رجلًا أو امرأةً، في اليوم والليلة، نحوَ أربعين ركعةً: سبعَ عَشْرةَ فريضةً، والسننُ الرواتب عَشْرُ ركَعاتٍ، أو اثنتا عشْرةَ ركعةً، وقيامُ الليل إحدى عشْرةَ ركعةً، أو ثلاثَ عشْرةَ ركعةً، وكذلك حقوق العباد من الذنوب والمظالم وغيرِها لا تَسقُط بالحجِّ باتِّفاق الأئمة، والحديثُ الذي يُروى في سقوط المظالم وغيرها بذلك في حديث عبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ حديثٌ ضعيف.