“حديث من غسل الميت فليغتسل” اختلف فيه العلماء اختلافا كبيرا ، فقد ضعفه جمهور المحدثين ، ومن العلماء من قال إن هذا الحديث منسوخ، والذين ثبت عندهم الحديث اختلفوا، فمنهم من قال الأمر بالاغتسال في الحديث للوجوب ، ومنهم من قال إن الأمر في الحديث محمول على الندب لا على الوجوب فيسن الغسل من تغسيل الميت.
أما مسألة الوضوء من حمل الميت فالصحيح من أقوال أهل العلم أن ذلك ليس بواجب ولا مندوب.
هل يجب الغسل بعد تغسيل الميت:
قال الإمام الشوكاني:[ قال علي بن المديني وأحمد بن حنبل: لا يصح في الباب شيء. وهكذا قال الذهبي فيما حكاه الحاكم في تاريخه (ليس فيمن غسل ميتاً فليغتسل) حديث صحيح. وقال الذهلي: لا أعلم فيه حديثاً ثابتاً ولو ثبت للزمنا استعماله. وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديث يثبت. وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه: لا يرفعه الثقات إنما هو موقوف. وقال الرافعي: لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئاً مرفوعاً.] نيل الأوطار 1/ 279.
وقال الإمام النووي: [وليس في الغسل من غسل الميت شيء صحيح ] المجموع 2/204.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[حديث: (من غسل ميتا فليغتسل ) أحمد والبيهقي، من رواية ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، بهذا، وزاد ( ومن حمله فليتوضأ ) وصالح ضعيف ، ورواه البزار ، من رواية العلاء ، عن أبيه ، ومن رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، ومن رواية أبي بحر البكراوي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، كلهم عن أبي هريرة ، ورواه الترمذي وابن ماجة، من حديث عبد العزيز بن المختار ، وابن حبان ، من رواية حماد بن سلمة كلاهما ، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ورواه أبو داود ، من رواية عمرو بن عمير ، وأحمد من رواية شيخ يقال له أبو إسحاق ، كلاهما عن أبي هريرة ، وذكر البيهقي له طرقاً وضعفها ، ثم قال : والصحيح أنه موقوف ، وقال البخاري : الأشبه موقوف . وقال علي – ابن المديني – وأحمد: لا يصح في الباب شيء، نقله الترمذي عن البخاري عنهما، وعلق الشافعي القول به على صحة الخبر، وهذا في البويطي. وقال الذهلي: لا أعلم فيه حديثاً ثابتاً، ولو ثبت للزمنا استعماله. وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديث يثبت، وقال ابن أبي حاتم في العلل، عن أبيه: لا يرفعه الثقات، إنما هو موقوف ] التلخيص الحبير 1/136.
ومن العلماء من قال إن هذا الحديث منسوخ، والنسخ عند الأصوليين هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر.
وممن قال بأنه منسوخ الإمام أحمد وأبو داود صاحب السنن وغيرهما، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني [وقد أجاب أحمد عنه بأنه منسوخ ، وكذا جزم بذلك أبو داود ] التلخيص الحبير 1/ 138.
ويدل على أنه منسوخ ما يلي:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم ) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي وضعفه إلا أن الحافظ ابن حجر العسقلاني ردَّ تضعيفه وحسَّن الحديث في التلخيص الحبير 1/ 138، وحسنه العلامة الألباني في أحكام الجنائز ص 54.
ومما يدل على النسخ أيضاً ما رواه مالك في الموطأ (أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه غسَّلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل قالوا: لا ) ورواه البيهقي وقال وله شواهد عن ابن أبي مليكة عن عطاء عن سعد بن إبراهيم وكلها مراسيل.
ومما يدل على النسخ أيضاً حديث عمر رضي الله عنه قال ( كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل) أخرجه الخطيب وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إسناد صحيح، التلخيص الحبير 1/ 138.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما ( لا غسل عليكم من غسل الميت) رواه الدارقطني والحاكم مرفوعاً وصحح البيهقي وقفه وقال: لا يصح رفعه.
ومن العلماء من قال إن الحديث لا يقل عن درجة الحسن، قال الحافظ ابن حجر [ وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسناً، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض، وقد قال الذهبي في مختصر البيهقي: طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء، ولم يعلوها بالوقف، بل قدموا رواية الرفع ] التلخيص الحبير 1/ 137.
والذين ثبت عندهم الحديث اختلفوا فمنهم من قال الأمر بالاغتسال في الحديث للوجوب وهو قول ابن حزم الظاهري وقوله مردود، ومنهم من قال إن الأمر في الحديث محمول على الندب لا على الوجوب فيسن الغسل من تغسيل الميت.
قال الإمام الشوكاني: [وهو من الأدلة الدالة على استحباب الغسل دون وجوبه وهو أيضاً من القرائن الصارفة عن الوجوب فإنه يبعد غاية البعد أن يجهل أهل ذلك الجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجباً من الواجبات الشرعية ولعل الحاضرين منهم ذلك الموقف جلهم وأجلهم لأن موت مثل أبي بكر حادث لا يظن بأحد من الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف عنه وهم في ذلك الوقت لم يتفرقوا كما تفرقوا من بعد ] نيل الأوطار 1/281.
وقال العلامة الألبانيبعد أن فصَّل الكلام على طرق الحديث:[ وبالجملة، هذه خمسة طرق للحديث بعضها صحيح ، وبعضها حسن ، وبعضها ضعيف منجبر ، فلا شك في صحة الحديث عندنا ، ولكن الأمر فيه للاستحباب لا للوجوب لأنه قد صح عن الصحابة أنهم كانوا إذا غسلوا الميت فمنهم من يغتسل ومنهم من لا يغتسل ] إرواء الغليل 1/175 .
ومن العلماء من رأى أن المراد بالغسل غسل الأيدي لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: ( ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم ). هذا ما يتعلق بالغسل من تغسيل الميت.
هل يجب الوضوء من حمل الميت:
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [وهذا قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله لأن الوجوب من الشرع ولم يرد في هذا نص, ولا هو في معنى المنصوص عليه فبقي على الأصل ولأنه غسل آدمي فأشبه غسل الحي] المغني 1/141.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي في موضع آخر [ولذلك لا يعمل به في وجوب الوضوء على من حمله وقد ذكر لعائشة قول أبي هريرة ( ومن حمله فليتوضأ ) قالت: وهل هي إلا أعواد حملها, ذكره الأثرم بإسناده ولا نعلم أحداً قال به في الوضوء من حمله ] المغني 1/155.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-:[أما حمله فلم يصح في الوضوء منه شيء، ولا يستحب الوضوء من حمله؛ لعدم الدليل على ذلك] مجلة الدعوة العدد 1557.
ومن أهل العلم من قال إن ذكر الوضوء في الحديث ليكون الحامل للميت مستعداً لصلاة الجنازة، قال الإمام الباجي المالكي [وأمر الحامل للميت أن يتوضأ قبل أن يحمله ليكون على طهارة إذا صلى عليه فيصلي مع المصلين عليه ] المنتقى شرح موطأ مالك 2/455.
وخلاصة الأمر أنه يستحب الغسل لمن غسَّل الميت، لأن الحديث الوارد لا يقل عن درجة الحسن، ولا وضوء على من حمل الميت.